حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأي

شهر باللون الوردي

جهاد بريكي

الطقس حار والمزاج متبلد، المرضى يشتكون والأطباء ينتظرون المساء لينتهي هذا اليوم المحموم، تمر بعض الفترات في مصحات المشافي تكون فيها وتيرة العمل سريعة بشكل جنوني، مرضى يتوافدون كجيوش لغزو عاصمة كبيرة وآخرون تسوء حالاتهم فيسوء معها مزاج الأطباء والممرضين، وأهال منزعجون يشتكون. أجر قدمين متورمتين وأحمل رأسا ثقيلا فوق كتفين متعبين وأنزل الدرج نحو المستعجلات. طبيب زميل يطلبني لفحص حالة ما. أقف أمامها فتلتقي العيون متبادلة السلام. ما اسمك، كم عمرك، من أين أتيت، ما سبب مجيئك، هل تعانين من أية أمراض؟.. أسئلة روتينية سريعة أحاول بها فهم ما يحصل مع المريضة بحثا عن تشخيص ما يمكنني من اعتماد العلاج المناسب لإراحتها. لم يكن الأمر معقدا جدا لأفهم أنها تحمل «المرض الخايب» كما أسمته داخل ثديها. يقف شاب بالقرب منها تختلط كل أشكال الهلع في وجهه، أفهم من نظراته الفارغة أنه ابنها. أنزع عن المريضة ثوبها لأفحصها فأرى في عينيها نظرة اعتذار، ثم شلال خجل. أطمئنها بأني طبيبة وما أقوم به هو شيء عادي وضروري لأجل مساعدتها. كنت أمام مشهد لا أجد ما هو أشد إيلاما منه. ثدي قد تحول من غدة رخوة تكسوها أنسجة وشحم وجلد فتبرز تكورات تميز الأنثى وتضيف لجمالها بهاء وألقا، إلى ما يشبه صخرة صغيرة، أو كتلة حجرية ألوانها تميل لبني صامت. الثدي المانح للحياة يصبح قنبلة جالبة للموت.
أضع يدي فأشعر بقسوته، خشونته وتورمه. ينقض علي شعور وخز حاد فيخترق صدري، عرق بارد يتصبب فوق ظهري وجبهتي. الحالة تستدعي تدخلا شبه جراحي للتخلص من السوائل المتركزة حول القلب والمتسببة في تردي وظيفته. كانت صامتة وهادئة طيلة الوقت، أسألها إن هي شعرت بألم ما فتجيب بالنفي حتى أنهيت عملي وهممت بالرحيل لتمسك يدي سائلة: «خطير دابا هادشي لي وصلت ليه ياك؟».
أصادف نساء كثيرات في مراحل متقدمة من هذا المرض السام، إحداهن مرة كانت حاملا في شهرها الخامس أعجز عن نسيان ملامح وجهها. أثداء متحجرة وعلاجات بالكيمياوي وشعر متساقط وجلد بلون الخوف، كلما فحصت إحداهن شعرت بالوخز نفسه يحتل صدري.
وكقتامة ما يمكن أن يصير عليه حال امرأة بسبب هذا المرض اللعين، يوجد أمل شاسع وكبير تلاحقه الناجيات بعد صراع شرس.
ينتشر سرطان الثدي بين النساء ليكون الأكثر شيوعا عندهن، فيحول حياتهن لمستشفى متنقل بحثا عن العلاج والسند ودحر الألم. ويختلف مصيرهن حسب درجات تطور هذا المرض داخل أجسادهن وتوقيت اكتشافه، فيكون الأمل حليفا للواتي تم تشخيصهن في فترات مبكرة، فيستطيع العلاج بأنواعه والجراحة منح حياة جديدة لهن وفرصة ذهبية يعدن فيها إلى أحضان محبيهن وأحلامهن وطموحاتهن.
تتهاون كثير من النساء في ما يتعلق بصحتهن موليات كل اهتمامهن للآخر سواء كان زوجا، أبناء، أسرة قريبة وعائلة بعيدة، ويتجاهلن الأعراض البسيطة ويتكاسلن في إنجاز الفحوصات والكشوفات الدورية حتى يجدن أنفسهن في وضعيات صعبة وامتحانات عسيرة.
الصحة تاج، وراحة وسعادة وطمأنينة، ولا يعرف ما يعنيه جسم معافى سوى من كابد ويلات جسد خارت قواه وخان صاحبه أو طبيب غارق في مآسي مرضاه. والوقاية والحذر سلاحان يملكهما الواحد منا من شأنهما حمايته وتجنيبه الكثير من البؤس لو أنه أحسن استخدامهما.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى