
يونس جنوحي
لم تكن صداقات الدبلوماسي محمد التازي، وهو سفير للمغرب في عدد من العواصم العربية، تمنع من أن يقارع زملاءه السابقين في الصحافة العربية، خصوصا وأنه مارس العمل الصحفي في مصر، ثم في المغرب رئيسا لتحرير صحيفة «العَلم»، لسان حال حزب الاستقلال، وانفرد بنشر مضمون مقابلة مع الملك الراحل الحسن الثاني، وهو لا يزال وليا للعهد، بخصوص مهمته في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1957.. واندهش التازي وهو يطالع ما كتبه زميله الصحافي محمد حسنين هيكل عن الزيارة نفسها، حيث ادعى الأخير أنه التقى ولي العهد في الولايات المتحدة وأسرّ له ببعض الأسرار!
وهذا نص ما كتبه التازي بنفسه في مذكراته:
«يقول هيكل:
كان اللقاء الثاني و«الحسن» ما يزال ولي عهد المغرب، في نيويورك، في خريف عام 1957، وعند ما التقيت بـ«الحسن» على غداء في فندق «والدروف استوريا» أشار إلى لقاءاته اليهودية لجلب استثمارات كبيرة.
والملاحظة الأولى على هذا الزعم، أن اللقاءين الأول والثاني كانا في خريف سنة واحدة، هي 1957، و«دائما لقاءاته مع ولي العهد إما على فنجان قهوة أو على مائدة غداء، ولست أدري ما الذي يدعو سمو ولي العهد إلى كشف أسرار لقاءاته في نيويورك إلى هيكل.
وهل هذه اللقاءات لم تتم إلا مع اليهود؟ لماذا لم يحدثه عن لقاءاته مع مسؤولين أمريكيين؟
فإثر عودته من هذه الرحلة، خصني سموه بحديث نشرته في «العَلم». ولو كانت لسموه أنشطة غير رسمية فلن يؤثر بها هيكل، وهي تتصل – بزعمه – بالبحث عن استثمارات من يهود أمريكا في المغرب، بل كان سيبشر بها المغاربة الذين تتبعوا باهتمام كبير هذه الزيارة، وكان الهدف منها، ليس فقط المشاركة في دورة الأمم المتحدة، وإنما لإجراء اتصالات مع الإدارة الأمريكية، في الموضوعات التالية:
أولا: ما يمكن أن تقدمه أمريكا من مساعدات للقوات الملكية الناشئة،
ثانيا: تصفية القواعد العسكرية الأمريكية في المغرب،
ثالثا: الإعداد لزيارة صاحب الجلالة المغفور له الملك محمد الخامس تلبية لدعوة تلقاها جلالته من الرئيس أيزنهاور في أبريل ورد عليها جلالته برسالة نشر نصها في 19يوليوز 1957.
كان المفروض أن تكون هذه الموضوعات الهامة هي محاور اجتماع هيكل بسمو ولي العهد، وحيث أن أي اجتماع لم يتم بين سموه وهيكل، لا في فندق «والدوف استوريا» كما ادعى هيكل، ولا في غيره، وحيث أن هيكل مسكون باختلاق الوقائع، فقد اختلق الاجتماع، ولما لم يجد موضوعات مغرية له، اختلق مرة أخرى موضوع اقتصار حضور سموه على الجلسة الافتتاحية لدورة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي هذا اللقاء المزعوم يدعي هيكل أن سمو ولي العهد حدثه عن لقائه مع الجنرال «دوكول»، قبل أن يجتمع به، وأن الجنرال دوكول قال لسموه :
«إن أيزنهاورلم يكن جنرالا كبيرا، لأنه يفتقد أهم الخصائص التي تميز الجنرال الكبير، وهي الخيال الخلاق – لكن أيزنهاور – في رأي دوكول – نقلا عن «الحسن» أيضا – نجح كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية لأنه استطاع أن يعطي لأمريكا ثماني سنوات من الاستقرار، والاستقرار لا يحتاج إلى خيال (هكذا قال دوكول، ونقل عنه الأمير الحسن).
انتهى ما قاله هيكل عن اللقاء الثاني له مع سمو ولي العهد في فندق «والدوف أوستوريا»، بنيويورك في خريف عام 1957.
بمعنى أن اللقاء مع هيكل كان الهدف منه إبلاغه باتصالاته مع اليهود، ورأي الجنرال دوكول في الجنرال أيزنهاور! وكأن سموه كان مكلفا بمهمة من هيكل، قدم له تقريرا عن نتائجها، وبعد تقديم التقرير انتهت المقابلة!
وينسى هيكل أن ما نسبه لسمو ولي العهد عن رأي «دوكول» في «أيزنهاور»، هو رأي هيكل فيه، لا رأي «دوكول»، لأن نفس التحليل لشخصية أيزنهاور نسبه هيكل لنفسه في كتابه عن حرب السويس التي تواطأت فيها فرنسا وإنجلترا وإسرائيل لاحتلال القناة وكان عبد الناصر قد أممها، ومارس أيزنهاور ضغوطا قوية على إسرائيل حتى انسحبت من سيناء عام 1956! ولكنه الإصرار على تزييف التاريخ لأهداف سياسة وشخصية».





