
لم يكن عبد الله غرنيط مجرد وزير ومسؤول رفيع المستوى في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بل كان صديق شبابه، حيث اعتبر رفيق درب ولي العهد الذي كان يتقاسم معه الفصول الدراسية والعديد من الهوايات، خاصة الفن السابع.
عبد الله غرنيط.. المراكشي الذي أصبح صديقا للملك
تقلد عبد الله عدة مناصب، خاصة بعد انقلاب الصخيرات واعتراض طائرة الملك، حيث قرر الحسن الثاني الاعتماد على أشخاص أكثر ثقة من العساكر.
أسندت لغرنيط عدة مناصب سامية، منها منصب مدير عام للإذاعة والتلفزيون، وفي سنة 1972 عين كاتبا للدولة لدى الوزير الأول مكلفا بالتعاون الوطني والصناعة التقليدية، ثم بعد ذلك وزيرا للشؤون الاجتماعية والصناعة التقليدية سنة 1977، وكان مؤسس حزب التجمع الوطني للأحرار. بل إن قربه من الملك مكنه من مواجهة زملائه الوزراء بحدة في مجالس الوزراء.
شارك عبد الله الملك في صياغة العديد من المبادرات السياسية، أبرزها ميلاد حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي ضم إليه مئات الصناع التقليديين الذين كسب ودهم حين كان وزيرا للصناعة التقليدية، وما زال الحزب إلى يومنا هذا يعتمد على هذه الفئة من الصناع في بناء قواعده المهنية.
لكن خلافات تسللت إلى علاقات أحمد عصمان وعبد الله غرنيط، خاصة بعد أن خططت وزارة الداخلية لكسر شوكة حزب الأحرار، بعد أن لمست هيمنته على المشهد الحزبي، وقررت أن تخرج من «كمه» الحزب الوطني الديمقراطي، استنادا إلى وثيقة وقعها أعضاء الحزب في البرلمان تتضمن رغبتهم في الانفصال عن التجمع الوطني للأحرار.
دعا الملك الحسن الثاني رئيس الحزب أحمد عصمان إلى جلسة حوار حضرها أيضا عبد الله غرنيط، كشف فيها الملك عن انفصال نصف برلمانيي الحزب، حينها ذرف عصمان دمعا حاول عبثا مصادرته، أمام هذا المشهد طلب عبد الله الإذن من الملك ليتحدث، وأخذ يشرح للملك بأن ما حصل لعصمان مؤامرة رتبها الجنرال الدليمي.
ومن أشهر مداخلات عبد الله غرنيط أمام الملك في اجتماع مجلس الوزراء، دعوته إلى البحث عن بدائل لدقيق وزيت وحليب الولايات المتحدة الأمريكية الذي كان يقدم لمؤسسة التعاون الوطني، مؤكدا أنه يزرع التواكل في نفوس المستفيدين.
انتقل عبد الله غرنيط بعد اختفاء قصري من المشهد السياسي، وحين توفي سنة 2014 في مسقط رأسه بمراكش، وعمره 86 سنة، اجتمعت في جنازته كل الأطياف السياسية، ومشى خلف جثمانه كثير من جنود التعاون الوطني.
عبد الله غرنيط يتزوج من عائلة شارل ديغول
انتقل عبد الله غرنيط إلى العاصمة الفرنسية باريس لاستكمال تعليمه العالي، وكان من بين مؤسسي الحركة الطلابية العربية في فرنسا، وخلال فترة تعليمه العالي في مجال الدراسات الحقوقية، تعرف الشاب المراكشي على فتاة فرنسية تدعى كوليت، فنسج معها علاقة حب، مما ساعده على الاندماج في المجتمع الفرنسي.
كانت كوليت سليلة عائلة عسكرية تتنفس الصرامة والانضباط، ابن عمها هو شارل ديغول، القائد العسكري والسياسي ورجل الدولة الفرنسي، وهو الذي قاد حرب بلاده ضد الاحتلال الألماني في أربعينيات القرن العشرين، ثم تولى رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة، وأسس الجمهورية الفرنسية الخامسة.
ولدت كوليت في ليل شمال فرنسا، كان جدها هنري مدرسا لمادتي الفلسفة والأدب، فأحبت القراءة منذ صغرها واتخذت من الكتابة هواية لها، سيما الشعر. نشأت وسط عائلة كاثوليكية مثقفة ومتعددة الأفراد، حريصة على تقاليدها الصارمة، مهتمة بالأدب والتاريخ والفلسفة، قبل أن يأخذ ابن عمها شارل منحى آخر ويختار السياسة، فحكم البلاد وانتهى به المطاف كاتبا لسيرته الذاتية في بيته بـ«كولومبي لي دو زيغليز»، إلى أن توفي عن عمر يناهز 80 سنة.
نعود إلى ابنة عمه كوليت، فقد زارت رفقة عبد الله مراكش وأعجبت بالمدينة وبعائلة غرنيط، وقررت أن تكون لها امتدادات في مغرب كان حينها تحت الحماية الفرنسية.
أقنعت كوليت عائلتها الكاثوليكية، أولا باعتناق الديانة الإسلامية كشرط للزواج من الشاب المراكشي الذي اختارته رفيقا لدربها الدراسي أولا، وزوجا لها وأبا لأبنائها. لعب عبد الله دورا كبيرا في اعتناق كوليت للإسلام، حيث ساعدها على دراسة الدين الإسلامي السمح، فاقتنعت به وأصبحت تحمل اسم مليكة.
عاشت مليكة بين فرنسا والمغرب، واستقرت في الرباط تارة وفي مراكش تارة أخرى، لكن مدينة مراكش كانت لها مكانة خاصة في قلبها، بعد أن أصبحت لها شبكة علاقات مع نساء من زوجات وجهاء المدينة ومثقفيها. كما استفادت أكثر من تعيين زوجها عبد الله على رأس الإذاعة الوطنية ابتداء من سنة 1962، حيث كانت مستمعة جيدة للبرامج، بل إنها لم تتردد في إبداء ملاحظاتها لزوجها المدير الذي كان يشرف على قطاع حساس في البدايات الأولى لحكم الملك الحسن الثاني.
ونظرا للعلاقة التي كانت تربط الحسن الثاني بالمدير والوزير عبد الله غرنيط، فإن مليكة كانت تدخل القصر بشكل عادي، لما لها من علاقات مع الأميرات، ونظرا لمكانتها الاعتبارية كسليلة لعائلة ديغول.
أنجبت مليكة 12 ابنا من زوجها عبد الله، لم تكن ملتزمة بضوابط تحديد النسل على غرار النساء الأوروبيات، أغلبهم درسوا في فرنسا وعاشوا في العاصمة الرباط.
حسن غرنيط.. خبير في مجال الكيمياء الفيزيائية
أغلب أبناء وبنات عبد الله غرنيط وضعوا مسافة بينهم وبين السياسة، بل إن العلوم الإنسانية والطبية والكيماوية والهندسية، ظلت مجال اشتغالهم. وكان حسن غرنيط، الابن الأكبر، أكثرهم حرصا على القطع مع المجال السياسي، حين اختار الكيمياء وأصبح من الخبراء المغاربة المتألقين في مجال اختصاصه.
حسن، وهو من مواليد 1949 بفرنسا، وفيها تابع دراسته الجامعية إلى أن حصل سنة 1985 على شهادة الدكتوراه في العلوم الكيميائية والفيزيائية، من جامعة غرونوبل جنوب فرنسا، قبل أن يقرر وضع خبرته العلمية رهن إشارة بلده، فاستقر في الدار البيضاء، حيث فتح مكتب خبرة في مجال تخصصه.
نذر الدكتور حسن غرنيط حياته لخدمة البيئة، وقدم للمنظومة العلمية تفاصيل دقيقة حول اختبارات الأكسدة عالية الحرارة والطلاء المطور باستخدام الليزر والسيليكون، حتى أصبح مرجعا في مجال تخصصه.
وخلافا لبعض الكتابات التي سلطت الضوء على عائلة عبد الله غرنيط، فإن المطرب عبد اللطيف غرنيط، المتوفى سنة 1965، هو ابن عبد الهادي غرنيط، شقيق عبد الله، وأحد أبناء المهدي غرنيط الذي شغل منصب وزير بلاط في مراكش. جده من الأم هو الشاعر محمد غرنيط، صاحب كتاب «فواصل الجمان في أنباء وزراء وكتاب الزمان»، ويحكى أن عمه عبد الله غرنيط، قد أصدر في حقه قرارا تأديبيا، حين كان مديرا للإذاعة الوطنية.





