شوف تشوف

الرئيسيةسري للغاية

آلين غريفيث : «جاسوسة CIA التي ارتدت القفطان»

المذكرات السرية لعميلة حذرت الحسن الثاني من انقلاب الصخيرات

يونس جنوحي
وصفت بالجميلة والفاتنة. خلف ملامحها التي أسرت قلوب كبار أثرياء أمريكا وأوروبا، توجد أسرار الدول والحكومات.
اختارتها المخابرات الأمريكية بعناية فائقة من بين آلاف الشابات الأمريكيات الفاتنات خلال سنة 1943.
إنها «آلين غريفيث»، زوجة الثري الإسباني «دوق كينتانيلا» السيد «لويس فيغوروا»، سليل إحدى أعرق العائلات الإسبانية الأرستقراطية.
انتقلت من ضواحي نيويورك الأمريكية إلى مدريد في عز الحرب العالمية الثانية. تجنبت القنابل، واحتمت في البناية السرية التي كانت مكتبا للمخابرات الأمريكية، حيث عملت على فك شفرات التقارير التي يرسلها عملاء OSS، وهو مكتب للمخابرات الاستراتيجية التي كانت نشيطة خلال فترة الحرب، وإعادة صياغتها وهكذا اطلعت على أكثر أسرار الدولة خطورة.
بعد الحرب العالمية الثانية تزوجت من لويس بعد قصة حب عاصفة علم بها كل أبناء الأسر الثرية بمدريد. إذ إن الشابة «آلين» كانت معروفة بأنها أمريكية الجنسية، لكن لا أحد كان يعلم بأمر عملها المخابراتي.
بعد زواجهما، أصبح «لويس» رئيسا للوزراء في إسبانيا خلال الخمسينيات والستينيات، وكان يدير أيضا أعمال عائلته في الريف المغربي حيث ورث شركة ضخمة للمناجم.
في العام 1962 فازت آلين بجائزة دولية لعرض الأزياء صنفتها «أرقى السيدات في العالم على مر التاريخ». وهي جائزة مرموقة فتحت أمامها أبواب الشهرة في مجال عرض الأزياء والموضة، دون أن تثير الانتباه إلى أنها في الحقيقة جاسوسة لـCIA الأمريكية.
أصدرت «آلين» سلسلة مذكرات تطرقت فيها لفترة شبابها ودراستها الصحافة والتاريخ، ثم انتقالها إلى عالم عرض الأزياء وكيف أرسلتها المخابرات الأمريكية إلى مدريد.
لكن في العام 1992، بعد تقاعدها، أصدرت مذكرات أخرى جديدة بعنوان «الجاسوسة التي ارتدت الحرير». إلا أنه بعد قراءة تلك المذكرات يتضح أن «الحرير» لم يكن في الحقيقة يرمز إلا لـ«القفطان» المغربي، في إشارة إلى الحفلات التي حضرتها بصفتها زوجة الوزير الأول الأسبق «لويس فيغوروا»، وأيضا بصفتها حاملة للقلب ملكة الأناقة في العالم، والتي حكت فيها عن مغامراتها المخابراتية في المغرب، حيث وجدت نفسها في قلب زوبعة الإعداد لانقلاب الصخيرات وأرسلت تقارير مخابراتية ساخنة لـCIA بشأنه.. لنتابع.

مقالات ذات صلة

هكذا تزوجت رئيس وزراء إسبانيا.. ومن الأزياء ولجتُ عالم المخابرات
زوجي «لويس» كان متوجها إلى الرباط لحضور الاجتماع السنوي لـ«مناجم الريف»، وهي الشركة التي أنشأها جده قبل ستين سنة (تتحدث عن سنة 1971).
كنت أنا و«لويس» قد قمنا برحلات كثيرة إلى المغرب من قبل، إلى درجة أنني فكرت في عدم مرافقته إلى الرباط..، إلى أن جاءني اتصال هاتفي من فاطمة عزيز، وهي صديقة قديمة جدا.
كانت تريد تنظيم معرض للأزياء والمجوهرات في الدار البيضاء في نفس الوقت الذي كان لدى زوجي «لويس» اجتماع الشركة. كانت فاطمة عزيز تريد مني أن أحضر الافتتاح، وعرضت عليّ أن أبقى أنا وزوجي في إقامتها بالدار البيضاء لأيام، ثم نحضر حفلا تريد أختها أن تقيمه في الرباط.
لم تكن آلين تعلم أنها سوف تصبح، بسبب هذا الحفل، في قلب الإعداد لانقلاب الصخيرات، ثلاثة أشهر قبل وقوعه

الجاسوسة التي..
في الحادي عشر من ديسمبر 2017، توفيت «آلين غريفيث». خبر وفاتها بالكاد أثار اهتمام إسبان كانوا يعرفونها. أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد اهتم بها من كانوا يعرفون ما مرت به في حياتها الحافلة، لكن قلة منهم فقط كانوا يعرفون بأمر علاقتها بالمغرب، رغم أنها ألفت سنة 1992 كتابا تحدثت فيه عن تجربتها المغربية.
هذا الكتاب يستحق فعلا أن يُسمى «مذكرات منسية»، لأن الذين أثارت شخصية «آلين» إعجابهم لم يعلموا بشأن مغامراتها المغربية نهائيا.
في هذه السلسلة، سوف نترجم أهم فصول الكتاب وأكثرها تشويقا. وضعت له عنوان «الجاسوسة التي ارتدت الحرير». لكن بعد قراءة هذه المذكرات المنسية، خرجنا بخلاصة أن «الحرير» إياه لا يرمز في الحقيقة إلا إلى «القفطان» المغربي.
قصة حياة «آلين» تستحق فعلا أن تُروى. كيف وصلت إلى قمة الطبقات الاجتماعية في إسبانيا وأوروبا ورافقت زوجها إلى المغرب، خصوصا خلال بداية سبعينيات القرن الماضي، وهي وقتها تعمل رسميا لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA، حيث ربطت علاقات متينة بصفتها سيدة أعمال ومنتمية إلى أسرة أوروبية عريقة، مع أسر مغربية نافذة جدا في مغرب السبعينيات.

عارضة أزياء درست الصحافة
بدأت «ماريا آلين غريفيث»، وهذا اسمها الكامل، حياتها في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث وُلدت لأسرة عادية يوم 22 ماي 1923، في «بيرل ريفر». نشأت إذن بمقربة من ناطحات السحاب التي كانت تبدو لها من الحي، والتي تؤثث فضاء مدينة «نيويورك».
كان لديها ستة إخوة، ووالدها كان يعمل في مجال التأمين. تخرجت من جامعة «مونت سان فينسنت»، حيث حصلت على إجازة جامعية في الآداب، التاريخ والصحافة..، لكنها لم تعمل في أي مجال منها، على الأقل عندما كانت في العشرينيات من عمرها، حيث كان أول عمل لها في مجال عرض الأزياء، وتألقت فيه لتحظى بشهرة كبيرة في الميدان، وصلت إلى أوروبا.
عملها في مجال الأزياء جعل أنظار المخابرات الأمريكية تتجه إليها خلال فترة الحرب العالمية الثانية. ففي سنة 1943 تم اختيارها بعد أن اجتازت مباراة، لكي تصبح موظفة في مكتب المخابرات الاستراتيجية الأمريكية، وتم تجنيدها وإرسالها إلى إسبانيا.
وصلت الشابة «آلين» إلى مدريد في قمة مرحلة الخراب الذي عاشته أوروبا خلال أحداث الحرب العالمية الثانية الأكثر دموية. كانت مهمتها الرئيسية فك شيفرات الرسائل التي تصل إلى مكتب المخابرات الأمريكية في إسبانيا..، أي أن عملها كان محاطا بسرية كبيرة.
قضت أياما وليالي طويلة جدا في مراقبة آلة التشفير لكي تحول مضمون الرسائل المشفرة التي تصل من عملاء المخابرات المنتشرين في أوروبا، إلى تقارير مخابراتية غاية في السرية. وتمكنت في ظرف وجيز من فهم الأوضاع في إسبانيا جيدا.
ألفت بعد تقاعدها كتابا بعنوان «العميلة التي ذهبت للحفل الراقص»، حيث حكت فيه أجواء الحرب العالمية الثانية كما عاشتها في مدريد، وكيف اختلطت بالطبقات الراقية الإسبانية التي تأثرت بأحداث الحرب. وهكذا وصلت إلى قلب الدوق الإسباني «لويس فيغوروا إل بوينو»، الذي لم يكن يكبرها سوى بخمس سنوات. التقى الشابان في حفلة راقصة، لم يكن يعلم خلالها أن الفتاة الأمريكية التي أثارت إعجابه كانت في الحقيقة جاسوسة أمريكية. كانت تقدم نفسها في ذلك الوقت على أنها عارضة أزياء عالقة في إسبانيا بسبب توقف الأنشطة الفنية وإفلاس دور الأزياء الأوروبية المرموقة التي كانت تعمل معها.

زواج قادها إلى المغرب..
كانت هذه الزيجة مع «دوق» إسبانيا الذي كانت تلاحقه أكثر الفتيات الإسبانيات جمالا، طريق «آلين» لزيارة المغرب في أكثر من مناسبة، بحكم أن الأسرة الثرية الإسبانية التي ينتمي إليها الزوج، كانت تملك مناجم في شمال المغرب. وهكذا كانت «آلين» تحل مع زوجها بين الفترة والأخرى في المغرب لكي يشرف على سير مشاريع العائلة.
لكن علاقتها بالمغرب أصبحت رسمية عندما أصبح زوجها «لويس فيغوروا»، كونت «كينتانيلا»، وزيرا أول، وهو المنصب الذي شغله في أكثر من مناسبة.
عندما أصبح رئيسا للوزراء خلال الستينيات من القرن الماضي، تطورت علاقة «آلين» بالمغرب، حيث تعرفت على الملك الراحل الحسن الثاني والجنرال أوفقير والكولونيل المذبوح، وشخصيات مغربية أخرى، خصوصا «فاطمة عزيز»، سيدة الأعمال التي كانت تملك في الدار البيضاء سنة 1970 واحدة من كبريات دور عرض المجوهرات النفيسة، حيث كانت «آلين» زبونة لديها لاقتناء أغلى الأحجار الكريمة.

آلين غريفث خلال سنوات شبابها الأولى في إسبانيا قادمة إليها من الولايات المتحدة

جاسوسة الـCIA بين أثرياء المغرب
تبدأ «آلين» مذكراتها هكذا: «تورطت في القضية المغربية (تقصد انقلاب الصخيرات في العاشر من يوليوز 1971) ثلاثة أشهر من قبل. وكان الأمر بالصدفة تقريبا.
زوجي «لويس» كان متوجها إلى الرباط لحضور الاجتماع السنوي لـ«مناجم الريف»، وهي الشركة التي أنشأها جده قبل ستين سنة (تتحدث عن سنة 1971).
كنت أنا و«لويس» قد قمنا برحلات كثيرة إلى المغرب من قبل، إلى درجة أنني فكرت في عدم مرافقته إلى الرباط، إلى أن جاءني اتصال هاتفي من فاطمة عزيز، وهي صديقة قديمة جدا.
كانت تريد تنظيم معرض للأزياء والمجوهرات في الدار البيضاء في نفس الوقت الذي كان لدى زوجي «لويس» اجتماع الشركة. كانت فاطمة عزيز تريد مني أن أحضر الافتتاح، وعرضت عليّ أن أبقى أنا وزوجي في إقامتها بالدار البيضاء لأيام، ثم نحضر حفلا تريد أختها أن تقيمه في الرباط.
-قالت لي: «سوف تستمتعين به».
كان الخط على وشك أن ينقطع لصعوبة في الاتصال. قلتُ لها:
-«.. أستمتع بماذا يا فاطمة».
-«الحفل. سيكون هناك حفل رائع».
-«أوه لا شكرا. لن يكون بمقدوري حضور حفل. هذه المرة لسنا بصدد زيارة سياحة. لويس سيمكث في الرباط يومين فقط. وأنا لدي التزامات هنا في مدريد».
-ردت عليّ: «أرجوك غيري رأيك». وأضافت: «الأمر مهم جدا. أرجوك آلين. حدث أمر ما.. وأحتاج رأيك بشدة».
تقول «آلين» إنها لم تستطع رفض طلب صديقتها. لم تكن تتوقع أن هذه الزيارة إلى المغرب سوف تجعلها تعرف بأمر الترتيب لانقلاب ضد الملك الحسن الثاني ثلاثة أشهر قبل وقوعه.
لم يكن أحد، بمن فيهم زوجها الذي كان قد غادر منصب رئيس الوزراء، يعلم أن زوجته جاسوسة متغلغلة جدا في CIA الأمريكية.
تشرح في الصفحات اللاحقة من مذكراتها، قبل أن تسرد تفاصيل زيارتها إلى المغرب، كيف أنها لم تتوقع أن تكون في قلب عاصفة الإعداد لانقلاب الصخيرات. تقول إن صديقتها فاطمة عزيز كانت على اتصال وثيق بزوجات مسؤولين كبار في المغرب، خصوصا في الحكومة والجيش.
لكن الطريقة التي تسربت إليها معلومات عن إعداد شخصيات كبرى في البلاد لانقلاب ضد الملك الراحل الحسن الثاني، كانت بعيدة تماما عن عالم الأزياء والسهرات النسائية.
كانت رفقة زوجها تستعد لحضور عشاء، عندما وجدت نفسها أمام معلومات خطيرة، لم تملك معها سوى أن تغادر سريعا لكي تكتب تقارير مفصلة للمخابرات الأمريكية.
عندما توفيت «آلين» سنة 2017، عاد الأمريكيون إلى كتبها الثلاثة التي قسمت فيها مسار حياتها إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية حيث شرحت كيف قضت شبابها في دراسة الأدب والصحافة ثم انتقلت إلى عالم عرض الأزياء، قبل أن تلج عالم المخابرات حيث أصبحت من أشهر عميلات الـCIA، خصوصا وأنها نجحت في توطيد علاقاتها بإسبانيا والزواج من ابن عائلة ثرية جمعت بين المال والسلطة، حيث إن أغلب الأمريكيين يعرفون «آلين» من خلال كتابها الذي حكت فيه يوميات عملها في مكتب المخابرات الأمريكية بمدريد ومغامراتها خلال الحرب العالمية الثانية. فيما كان كتابها الأخير الذي تناولت فيه علاقتها بالمغرب، وقصة وجودها في قلب انقلاب الصخيرات، حيث غادرت المغرب من طنجة، إلى مدريد عشية يوم الانقلاب بالضبط، وتفرجت على تطورات الأحداث والندوة الشهيرة التي عقدها الملك الراحل الحسن الثاني يوما فقط بعد الانقلاب، على شاشة التلفزيون، بعد أن تابعت زوبعة الإعداد للانقلاب عن قرب، واشتمّت بأنفها «المخابراتي» رائحة الخيانة التي طُبخت ضد الملك الحسن الثاني، الذي تقول إنه لم يصدق في البداية تحذيرات الـCIA، التي كان مصدرها «آلين»، ضيفة المغرب، دون أن يعلم أحد أن عارضة الأزياء، زوجة الثري الإسباني رئيس الوزراء الأسبق، هي مصدر تلك المعلومات!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى