الرأي

أهرامات في أكادير

يونس جنوحي

ماذا يحدث بالضبط في أكادير؟ قبل سنة تقريبا رفض المواطنون خطوة مدبري الشأن العام الذين أطلقوا أسماء الصحابة على شوارع المدينة وأزقتها، وطالبوا بتعويضها بأسماء وطنيين ومناضلين مغاربة. والأمر نفسه وقع في محور الدار البيضاء والرباط.
والآن هناك سخط عارم على الهوية البصرية الجديدة لشعار المدينة الذي تم اقتراحه مؤخرا.
شعار مضلع على شكل هرم يحاكي كثيرا شعار مدينة القاهرة. وعلى حد علمنا فإن أكادير لم يسبق لها أن توفرت على معالم تشبه الأهرام.
الشعار القديم كان يرمز للبحر والجبل بشكل ذكي ويعكس المهارة الفنية لمصمم الشعار. بينما الشعار الحالي يشبه العلامة التجارية للسجائر التي توجد علبها الفارغة في مزابل أوراش البناء.
هذه الانتقادات يتقاسمها ملايين المغاربة الذين لم يعجبهم التصميم الجديد، وهذا حقهم بطبيعة الحال.
لكن الحقيقة أن هذا التصميم الجديد يعكس بقوة واقع المدينة. منكمشة على نفسها رغم شساعة المساحة. وأحرفها متداخلة في ما بينها وكأنها تحاول وضع أطرافها في حفرة ضيقة للغاية في انتظار أن تُدفن.
لقد مضت ستون سنة على زلزال أكادير المدمر، وأعيد بناء المدينة من جديد، بصورة لم تراع جمالية المدينة في كثير من المواقع وهذا الواقع ليس حكم قيمة أو تحاملا على مدبري الشأن العام المحلي للمدينة، وإنما واقع يستحق أن تتوسع فيه الدراسات الأكاديمية، لأن مخلفات الزلزال المدمر لم تضرب المدينة فقط وإنما نسفت ملامحها حتى بعد إعادة بنائها.
أهل الثقافة دقوا ناقوس الخطر أكثر من مرة في أكادير، وأكدوا أنها مدينة تحتضر ثقافيا. وهذا أمر معروف في كل المدن التي يزدهر فيها وحوش العقار. يصبح تركيز الرأي العام منصبا على تحقيق حلم امتلاك شقة مكعبة، بتصميم يحاكي كثيرا شعار المدينة الجديد، ولا أحد يهتم بالأنشطة الثقافية والأدبية حتى لو تضمنت «استراحة قهوة».
وحدها المهرجانات الفنية، خصوصا التي تدعو للحفاظ على التراث، لا تزال تستقطب الجمهور. أما الطباعة والكتب والندوات الفكرية ونقاش الأدب والشعر، فقد أصبحت سلوكات من العصر الحجري يثير أصحابها والمهتمون بها السخرية أكثر مما يثيرون تعاطف الناس.
وزارة الثقافة أطلقت في السنوات الأخيرة برنامج إعادة تأهيل المواقع الأثرية وإعادة الحياة إلى المراكز الثقافية القديمة، خصوصا المسارح ودور العرض. ورغم أن البرنامج لا يغطي كل النقاط القديمة في المدن المغربية، إلا أن إعادة تأهيل موقع فقط أو موقعين في كل مدينة، من شأنه أن ينقذ الأنشطة الثقافية من الانقراض.
أكادير لا تتوفر على أي مؤسسة ثقافة يعاد ترميمها. والله وحده من أنقذ بناية السينما، المنشأة الوحيدة التي نجت من زلزال أكادير سنة 1960، بعدما كان وحوش العقار يطوفون حولها لسنوات يدرسون طريقة ما للاستحواذ عليها وهدمها لاستغلالها في مخطط الإسمنت الذي يحول كل شيء إلى مجرد جدران باردة بدون روح.
إنقاذ المعالم الثقافية في المدن، يعني إنقاذ الشباب لكي يبدعوا ويجدوا متنفسا حقيقيا لتصريف طاقاتهم، بدل أن «يُنفسّ» بعضهم بعضا بالسكاكين في الأحياء الشعبية وأمام الحانات.
إعادة الاعتبار إلى الثقافة وأهلها، ينقذ أكادير، وكل مدن المغرب وقراه، من المسخ والرداءة في الذوق التي أصبحت طاغية على كل الطبقات الاجتماعية في المغرب.
لو أن أكادير شيدت بعد الزلزال أماكن لتهذيب الذوق الفني والأدبي للعباد، لما ظهر اليوم شعار جديد للمدينة، يجمع حروفها ويكدسها فوق بعضها، تماما كما تُكدس أطراف جثة في فيلم بالأبيض والأسود لتدفن في حافة الطريق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى