
يونس جنوحي
يُشير «هانو»، في مذكراته الشخصية، إلى أن أول إنزال على اليابسة حدث بعد مرور يومين على عبوره عمودي هرقل، ومع ذلك فإن بعض الخبراء يُحددون مكان «ثيماثيريون» في «موگادور»، وهي مدينة تبعد بأربعمئة ميل جنوب موقع سبارتيل – ويمكن اعتبار هذه المسافة رحلة سريعة على متن السفن الشراعية!
الطرح الذي عبر عنه هؤلاء الخبراء المراقبون، والذي مفاده أن موقعي «ثيماثيريون» و«موگادور» متطابقان، يستند إلى حقيقة أن نواحي موگادور، الآن، تتوفر على تضاريس جغرافية تطابق جدا تلك الأوصاف المجالية التي ذكرها «هانو».
هؤلاء المراقبون أنفسهم يرون أنه من الضروري أن تحدث تغيرات جيولوجية مع الوقت، ما سيؤدي حتما إلى اختفاء بعض البحيرات والجزر، وتغييرا واضحا على امتداد وشكل خط الساحل.
على ضوء هذه الحقيقة يبدو تصديق كلام «هانو» منطقيا أكثر ونتخلى عن الفرضية الاستباقية التي نستحضر فيها سريعا توفر محركات «توربينية» مكنته من قطع أربعمئة ميل خلال يومين فقط، ونصدق نزوله على الساحل، على مسافة خمسين أو ستين ميلا – وهذا كله سيجعل موقع «ثيماثيريون» أقرب ما يكون إلى العرائش وليس موگادور.
بهذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى أن شكل الساحل بين العرائش ومهدية، حاليا، يُؤكد أنه كان في الزمن القديم يطابق مواصفات الساحل الذي تأسست فيه أول مُستعمرة. وبالاتفاق على ارتفاع خط الساحل – وهو ما يقر به الخبراء والمؤرخون الذين يفضلون تحديد «موگادور» موطنا لأول مستعمرة قرطاجية- فإن المنطقة الواقعة بين العرائش ومهدية تطابق أوصافها شكل الساحل كما ورد في كتاب رحلة «هانو».
لكن بغضّ النظر عن المكان الذي احتضن أولى المستعمرات في المغرب، فإن «هانو» كشف عن موقع خمس مستعمرات أخرى إلى جانب مستعمرة «ثيماثريون»، وهي «كاريكون – تيخو»، «گيتا»، «أكرا»، «ميليتا» و«أمبرايز». ويكفي أن نقول إن القرطاجيين أنشؤوا ما يقارب ثلاثمئة مركز تجاري على طول الساحل الغربي للمغرب لتوضيح حال البلاد في القرن السادس قبل الميلاد.
ازدهرت التجارة في المغرب على امتداد قرن كامل، وانتشرت أخبار حكايات الثروة الهائلة التي امتلكتها الإمبراطورية المغربية، وذاع صيتها إلى العالم الخارجي وبلغت مُدن القرطاجيين مرحلة معينة من الحضارة.
لكن الأمازيغ لم يتقبلوا أن يمتلك القرطاجيون هذه المدن، فبقوا في معاقلهم، في الجبال، وصدّوا أي محاولة من جانب الغُزاة للتقدم إلى داخل البلاد. ظلوا يترقّبون ويتربصون، وعندما ضعفت قوة المنتصرين نزلوا ومسحوا مدن الأجنبي عن وجه الأرض.
لا يمكن اليوم تحديد موقع أيّ من المستعمرات التي تحدث عنها «هانو»، تحديدا قاطعا، من خلال ما تبقى من الأطلال الأثرية. ولم يبق أي أثر لمحطات التجارة التي كان عددها ثلاثمئة، حتى في عهد المستكشف «بليني».
حاولت روما إخضاع المغرب بعد ذلك، وبعد محاولات فاشلة خلال القرن الأول للميلاد، بدأت روما تفرض نفوذها في المغرب.
بالتزامن مع ميلاد السيد المسيح، منح «أغسطس» مدينة «نوميديا» لـ«جوبا» الأصغر، لتصبح تابعة لروما. وكانت زوجة «جوبا»، ابنة أنطونيوس وكليوباترا.
خمسا وعشرين سنة بعد ذلك، أي في سنة 25 ميلادية، قايض «تيبيريوس» بلاد موريتانيا – التي كانت تشمل في ذلك العهد ما يُعرف الآن ببلاد الجزائر وجزء من المغرب- بنوميديا.
تحولت موريتانيا بعد ذلك إلى مستعمرة تابعة لـ«أغسطس» وأطلق عليها اسم «جوليا قسطنطينية».
ومثل كل خلفائه الذين تولوا الحكم منذ ذلك الوقت وصولا إلى زمننا الحالي، لم تتمكن «جوبا» من السيطرة على الأمازيغ سكان الجبال، وطلبت، في مناسبات متعددة، مساعدة الإمبراطورية الرومانية لإخضاعهم.