محمد اليوبي
أفادت مصادر حكومية بأن وزراء حزب العدالة والتنمية يلجؤون في بعض الأحيان إلى عقد اجتماعات سرية بعيدا عن أعين باقي أعضاء الحكومة، لتمرير بعض القرارات أو المراسيم التي تخدم الأجندة الانتخابية والسياسية لحزبهم، حيث تفجرت خلال الأسابيع الأخيرة فضيحة انعقاد اجتماعات تنسيقية بين وزارتي التجهيز والنقل، والطاقة والمعادن، بدون إشراك وزارة الفلاحة والصيد البحري، لدراسة مرسوم يتعلق بتنفيذ القانون المتعلق بالساحل.
وتعقد لجنة مشتركة تجمع ممثلين عن قطاع البيئة وقطاع التجهيز والنقل لقاءات لإعداد وتمرير مشروع المرسوم التنظيمي الخاص بالقانون رقم 12-81 المتعلق بالساحل، وجاءت هذه الاجتماعات بناء على طلب عبد القادر اعمارة، وزير التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، الذي حاول الإفلات من قبضة لوبي جرف رمال البحر، ورمى الكرة الحارقة في معسكر قطاع البيئة الذي يشرف عليه زميله في الحزب عزيز رباح، حيث التمس اعمارة في رسالة موجهة إلى قطاع البيئة «الإسراع في اتخاذ الإجراءات لإعداد ووضع النص المنصوص عليه في المادة 25 من القانون 12-81 المتعلق بالساحل في قنوات المصادقة، والحرص على ملاءمتها مع أحكام المادة 2 من القانون 13-27 المتعلق بالمقالع. وكشفت المصادر أن ما لم يقله اعمارة في هذه الرسالة، هو أنه عجز عن مواجهة تغول لوبي جرف الرمال الذي أمعن في إضعاف موقف الوزير، بعد أن رفض الامتثال لقراراته، بل واستمر في نهب رمال شاطئ مهدية منذ فاتح أبريل 2019، ليضرب بذلك آخر مسمار في نعش سياسة الوزير الهادفة إلى تنظيم قطاع المقالع عبر تفعيل مقتضيات القانون الجديد رقم 13-27.
وأفادت المصادر بأن الغريب في اجتماعات هذه اللجنة المشتركة، هو أنها تتم في سرية تامة بعد أن تقرر تغييب قطاع الفلاحة والصيد البحري، المعني الأول بنشاط الجرف، لما لهذا النشاط من تأثير خطير على الثروة السمكية وعلى الصيد البحري. وأكدت المصادر،أن تغييب قطاع الفلاحة والصيد البحري كان متعمدا، لأسباب بديهية تكمن في كون هذا القطاع يعارض بشدة نشاط الجرف وسبق لعزيز أخنوش أن عبر عن هذا الموقف المعارض في عدة مناسبات وعبر مجموعة من المراسلات، حيث يعتبر أن كل عملية جرف أو استخراج للرمال البحرية تمثل تهديدا مباشرا للنظام البيئي البحري، وأن استغلال رمال البحر يجب أن يخضع لترخيص من طرف السلطة الحكومية المكلفة بالصيد البحري، لا سيما في المناطق البحرية التي تشكل موطنا للأصناف البحرية ومكانا لتوالدها وتجدد مخزونها، وذلك أخذا بعين الاعتبار المقاربة الوقائية المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة حول قانون البحار. واعتبرت المصادر تغييب قطاع الصيد البحري في هذه الاجتماعات، له دلالة واضحة هو أن لوبي جرف الرمال البحرية ما زال متغلغلا في وزارة اعمارة، رغم محاولات هذا الأخير فك الارتباط به، كما أن عدم إشراك قطاع الصيد البحري في أشغال هذه اللجنة، سيجعل من تمرير مشروع المرسوم التنظيمي المتعلق بقانون الساحل في المجلس الحكومي أمرا مستحيلا، لأنه سيواجه «فيتو» وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
وحصلت «الأخبار» على مراسلة من عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري، موجهة إلى وزير التجهيز والنقل، تشير إلى أن مؤسسات علمية وطنية ودولية تجمع على أن الأنظمة البيئية البحرية الموجودة بين صفر و12 ميلا بحريا تعد من بين المناطق الأكثر توالدا وتنوعا للموارد البحرية، كما أن استراتيجية الإدارة المكلفة بالصيد البحري في ميدان استدامة الموارد البحرية تقوم على حماية هذه المناطق من خلال العديد من الإجراءات، منها مخططات تهيئة المصايد وحماية مناطق التفريخ ومنع الصيد بها خلال فترة الراحة البيولوجية. وأكدت الرسالة أن عملية جرف أو استخراج للرمال البحرية يشكل تهديدا مباشرا للنظام البيئي البحري.
وتقترح وزارة الفلاحة، حسب الرسالة، إدخال استغلال المقالع بالوسط البحري في نظام الترخيص، وليس الاقتصار على تصريح مسبق للاستغلال من طرف الإدارة المكلفة بالتجهيز والنقل، مع ملاءمة مشروع المرسوم مع مقتضيات المادة 24 من القانون المتعلق بالساحل، الذي يعمل بمبدأ الترخيص في المناطق البحرية الساحلية. كما تقترح الوزارة ذاتها تمثيل جميع المؤسسات الفاعلة في قطاع الصيد البحري (المعهد الوطني للبحث في الصيد البحري، والوكالة الوطنية لتنمية الأحياء البحرية، وغرف الصيد البحري…) داخل الهيئات المنصوص عليها في مشروع هذا المرسوم، من قبيل اللجنة الوطنية لتتبع استغلال المقالع واللجان الجهوية والإقليمية، وإشراك السلطة الحكومية المكلفة بالصيد البحري في جميع المراحل المتعلقة باستغلال الرمال البحرية أو أي مواد أخرى، لا سيما في ما يتعلق بالمخططات الجهوية لتدبير المقالع (منح التراخيص، دفتر التحملات…).