الرأي

الاتحاد الأوروبي وخيار تنحية الأسد

قبل عام كانت المفاوضات بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة «المعتدلة»، بدعم من القوى الإقليمية والدولية العظمى، تتركز حول حل سياسي يتضمن مرحلة انتقالية بصلاحيات سياسية وأمنية كاملة لمدة 18 شهرا. الآن تغيرت الصورة كليا بعد تقدم التحالف الروسي- السوري- الإيراني في حلب، وخسارة المعارضة المسلحة أكثر من 60 بالمائة من المناطق التي تسيطر عليها شرق المدينة، وباتت المفاوضات تتركز حول كيفية تأمين انسحاب المسلحين والمدنيين إلى ملاذات آمنة.
المعارضة السورية التي تتخذ من إسطنبول قاعدة لها، دفع بها اليأس بسبب خذلان حلفائها في تركيا والخليج وأمريكا، إلى الذهاب إلى موسكو للاستنجاد بها للتوصل إلى صيغة سياسية تنقذ ماء الوجه، وتسمح بهدنة تمكن المحاصرين في حلب الشرقية، أو ما تبقى منها، للمغادرة، وهذا ما يفسر ذهاب السيد سامح شكري، وزير الخارجية المصري، إلى نيويورك، ربما بإيعاز روسي، للتقدم بمشروع قرار ناقشه مجلس الأمن الدولي (الاثنين) يطالب بهدنة لمدة أسبوع قابلة للتمديد، تسمح بإدخال المساعدات الإنسانية اللازمة لأكثر من مائة ألف مدني ما زالوا محاصرين فيها.
الاستراتيجية الروسية- السورية تتبع سياسة «التقسيط المريح» في استعادة الأحياء الشرقية، أي القبول بهدن قصيرة، تتبعها هجمات كاسحة للجيش السوري على الأرض، فور انتهاء مدتها أو قبلها، بغطاء جوي روسي كثيف. ويبدو أن هذه الاستراتيجية التي جرى تطبيقها في الشهرين الماضيين حققت نجاحا كبيرا، بدليل استعادة الجيش السوري لأكثر من 60 بالمائة من الأحياء الشرقية، ونزوح بين 30 و50 ألفا من السكان هربا بحياتهم، إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية أو تلك الواقعة تحت نفوذ الميليشيات الكردية. وما يساعد على تسريع نجاح هذه الاستراتيجية حتى الآن الاشتباكات الدموية التي اندلعت في الأيام الأخيرة بين فصائل المعارضة المسلحة في شرق حلب، خاصة بين حركة «استقم» من الجيش الحر، وجماعة نور الدين زنكي المدعومة تركيا، والأقرب إلى جبهة «فتح الشام»- «النصرة» سابقا، وزاد الطين بلة إصابة عبد الرحمن نور، قائد «جيش حلب» الذي تشكل من عدة فصائل قبل أسبوع للدفاع عن مناطق المعارضة، إصابات بالغة وجاري البحث عن بديل له.
هذه الاشتباكات على مناطق النفوذ أصابت أهالي حلب الشرقية بحالة من الصدمة، ودفعتهم، ليس إلى النزوح فقط إلى الأحياء التي يسيطر عليها الجيش السوري، وإنما التظاهر غضبا ضد هذه الفصائل، والمطالبة بخروجها مثلما ذكرت وكالة أنباء «رويترز» العالمية.
واللافت أن هذا التقدم المتسارع للجيش السوري، وسقوط أحياء حلب الشرقية بالجملة في أيدي قواته، أحدثا تطورا لافتا في اللهجة الدبلوماسية الروسية، فسيرغي لافروف، الذي كان يطالب بمغادرة الجماعات «الجهادية» المتشددة فقط، بات الآن يتحدث عن مفاوضات مع الجانب الأمريكي على رحيل «جميع المسلحين» دون استثناء أو عليهم مواجهة الموت.
السلطات السورية تتوقع الاحتفال برأس العام الميلادي الجديد باستعادة جميع أحياء مدينة حلب، وبدأت الاستعدادات لترتيب إقامة مهرجان تشارك فيه فرق غنائية ورقصات شعبية، مثلما أفادت مصادر لبنانية مقربة من سورية لـ«رأي اليوم».
السيدة فريدريكا موغيريني، وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، التقت في أبو ظبي، قبل أسبوعين، ثلاثة من الشخصيات السورية المعارضة في الداخل والخارج، هم السادة حسن عبد العظيم، رئيس هيئة التنسيق، وأنس العبدة، رئيس الائتلاف السوري، ويحيى قضماني، الرجل الثاني في هيئة معارضة الرياض، وأبلغتهم رسميا أن اتحادها مستعد لتمويل خطط لإعادة الإعمار في كل المناطق السورية، وتحدثت عن وجود خطة لإقامة نظام محافظات غير مركزي يتيح اندماج المعارضة في القوات الأمنية مع الحفاظ على مؤسسات الدولة المركزية.
أحد الشخصيات الأربعة قال في جلسة خاصة، اطلعت «راي اليوم» على تفاصيلها، إن السيدة موغيريني أكدت لهم بطريقة غير مباشرة أن الاتحاد الأوروبي لا يعتبر أن تنحي الرئيس الأسد يشكل هدفا واقعيا.
معركة حلب تقترب من فصلها الأخير، والحافلات جرى إعدادها لنقل المسلحين، أو من يرغب منهم، إلى إدلب، والمدنيين إلى الأحياء الغربية، ليبدأ الفصل الأول لحرب استعادة مدينة الباب التي تعتبرها القيادة السورية خطا أحمر، ترفض أن تدخلها، ناهيك عن أن تستولي عليها، قوات «درع الفرات» التركية.
السيدة موغيريني لا تطلق الكلام جزافا، وإذا قالت موغيريني فصدقوها لأن عندها الخبر اليقين، والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى