شوف تشوف

الرأي

الرئيس عباس خدع شعبه للمرة الألف وتهديداته «دخانية»

انتظرنا ثلاثة أيام لدراسة ردود الفعل، ومعرفة طبيعة والخطوة التالية التي يمكن أن يقدم عليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لترجمة خطابه «الحماسي» الذي ألقاه من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الأربعاء الماضي، ولكن يبدو أن هذا «الخطاب التهديدي» جاء من أجل إثارة الشفقة، واستجداء المفاوضات، ومحاولة يائسة لجذب اهتمام إعلامي أفل وتبدد.
لم يكن الرئيس عباس بحاجة للذهاب إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للتهديد بعدم الالتزام بالاتفاقات الموقعة مع اسرائيل، وكان يكفيه أن يلقي الخطاب من مقره في رام الله، مباشرة إلى الشعب الفلسطيني، لو كان جادا فعلا في تهديداته، وأن يضع النقاط على الحروف، بدءا بوقف التنسيق الأمني، وانتهاء بإعلان حل السلطة، فلا دخل للأمم المتحدة بهذه الاتفاقات، ولم تتم تحت رعايتها، وإنما تحت رعاية البيت الأبيض، وخروجا عن كل القرارات الدولية.
الرئيس عباس جمع كل تهديداته السابقة التي لم ينفذ أيا منها على مدى عشر سنوات، في خطاب واحد ألقاه بطريقة مسرحية، ولهذا لم يجد أي اهتمام حقيقي، لا على الساحة الدولية أو الاقليمية، وقوبل باللامبالاة التامة من الشعب الفلسطيني نفسه، المعني الأول بالقضية الفلسطينية.
المجلس المركزي الفلسطيني انعقد في رام الله في شهر مارس الماضي برئاسة السيد عباس، وأصدر قرارا بوقف التنسيق الأمني، ولكن ما حدث أن هذا التنسيق ازداد قوة طوال الأشهر الستة الماضية، وتغولت قوات الأمن الفلسطينية، وأكثر من أي وقت مضى، في اعتقال الفلسطينيين المنتفضين ضد الاحتلال واقتحامات الأقصى، وشاهدنا رجال الأمن الأشاوس يكسرون عظام شاب فلسطيني من مخيم الدهيشة في بيت لحم، وبصورة أكثر قسوة من نظيرتها الاسرائيلية.
تهديدات الرئيس عباس بدت «دخانية» منذ اللحظة الأولى عندما لم يرفقها بجدول زمني محدد للتنفيذ عمليا وتركها مفتوحة النهايات، ورضوخه لضغوط جون كيري وزير الخارجية الأمريكي في هذا الصدد، أي حذف أي مدة زمنية للتنفيذ، ويؤكد أنه، أي الرئيس عباس، يبحث عن التعاطف، ولفت الانتباه، لا أكثر ولا أقل.
هناك مثل عربي يقول أن الذي يهدد لا يضرب، أو لا يكبّر عصاه، أي ينتقل إلى دائرة الفعل فورا، وهذا ما لم يفعله، ولن يفعله الرئيس عباس، وأنه مستمر في خداع شعبه وتضليله، واتباع سياسة كسب الوقت، لا أكثر ولا أقل.
بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي يعرف الرئيس عباس أكثر من الشعب الفلسطيني، ولذلك بادر إلى إجهاض تهديداته الفارغة، عندما عرض في خطابه أمام الجمعية العامة استعداده للعودة إلى المفاوضات دون شروط.
السيدة فيديريكا موغريني وزيرة الخارجية في الاتحاد الأوروبي التقطت رسالة الرئيس الفلسطيني أيضا، وبادرت بإلقاء طوق النجاة له، عندما طالبت اسرائيل بالالتزام بتنفيذ الاتفاقات، والفلسطينيين بالعودة إلى المفاوضات المباشرة، وأكدت أن اللجنة الرباعية قررت إعادة إحياء نشاطها، بعد سبات عميق استمر عشرة أعوام توسع خلالها الاستيطان الاسرائيلي، واستغلها توني بلير مبعوثها لتكريس الاحتلال ودعمه.
هذه الحقن التخديرية الأوروبية ستنزل برد وسلاما على قلب الرئيس عباس، وكبير مفاوضيه، وخليفته المرشح، الدكتور صائب عريقات والمجموعة المحيطة به، وسيعتبرونها اختراقا سياسيا كبيرا، تماما مثل اختراق رفع العلم الفلسطيني أمام مقر الأمم المتحدة، وليس على مقر الدولة الفلسطينية في القدس المحتلة، فمن كثرة انشغال هؤلاء بالإنجازات الرمزية البائسة، نسوا جوهر القضية الفلسطينية، ومعاناة الشعب الفلسطيني، ومقدساته تحت الاحتلال، تطبيقا للمثل الانكليزي الذي يقول «الأشياء الصغيرة تسعد العقول الأصغر».
القضية الفلسطينية التي تعتبر واحدة من أقدس القضايا في التاريخ، فقدت أهميتها، مثلما فقدت هيبتها، وانفض العالم من حولها، والسبب في ذلك تهديدات الرئيس عباس الجوفاء، ورهاناته الخاسرة، وتحوله إلى رمز للفشل على الصعد كافة.
نختم بمقولة الزعيم المصري سعد زغلول الشهير، وهو على فراش الموت «غطيني يا صفية.. ما فيش فايدة».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى