الافتتاحية

الرباط وتل أبيب.. رسائل متبادلة

الذي يقرأ رسالة الملك محمد السادس لنفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي الجديد، يدرك أنها رسالة تتجاوز، من حيث أهدافها ودلالاتها، لغة المجاملات المعهودة وما درج عليه العرف الديبلوماسي أثناء انتخاب أو تعيين رؤساء الدول والحكومات. فالرسالة الملكية لا يمكن أن تتم قراءتها بعيدا عن رمزية التوقيت، والأهداف الاستراتيجية المرسومة لها، وكذلك المصالح التي تتوخى تحقيقها من وراء التهنئة.
الواضح أن البرقية الملكية المقتضبة لم تغرق في قاموس التهاني بل دخلت مباشرة في صلب الموضوع مخاطبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بالقول «أغتنم هذه المناسبة لأؤكد لكم حرص المملكة المغربية على مواصلة دورها الفاعل ومساعيها الخيرة الهادفة لخدمة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يضمن لكافة شعوب المنطقة العيش جنبا إلى جنب، في أمن واستقرار ووئام». بطبيعة الحال رد الطرف الإسرائيلي لم يتأخر، مادامت الرسالة مصدرها مسؤول عربي يحظى بتقدير شديد داخل إسرائيل وخارجها. وبنفس الهندسة كان الجواب واضحا ولا لبس فيه مفاده أن إسرائيل تعتبر «المغرب صديقا وشريكا هاما في المساعي الرامية لدفع السلام والأمن في المنطقة قدما. وسأعمل على تعزيز العلاقات الإسرائيلية المغربية في كافة المجالات، بما سيحقق الرفاهية والازدهار لكلا الشعبين اللذين تربطهما صداقة طويلة الأمد».
لعل أهم رسالة تتضمنها البرقية هي أن بناء السلام العادل يبقى هاجسا لأعلى سلطة في الدولة مهما كانت المصالح والرهانات الأخرى حاضرة. فالملك يريد أن يرسخ، في أذهان المسؤولين الإسرائيليين المتعاقبين، أن العلاقات بين المغرب وإسرائيل استراتيجية، لكنها ليست على حساب القضية الفلسطينية، وربما ما يجعل العلاقات استراتيجية حقا، هو إيجاد حل عادل وشامل يسمح بقيام دولتين مستقلتين. بمعنى آخر، لكي تكون العلاقة بين الرباط وتل أبيب مفيدة لكلا الجانبين، يجب أن تقوم أولا على احترام الحقوق المشروعة للفلسطينيين، ويجب أن يتفهم الجانب الإسرائيلي أن الدولة المغربية وافقت على عودة العلاقات الديبلوماسية وتؤدي ضريبة ذلك الخيار عن قناعة راسخة، لكنها تنتظر في المقابل أن ترى إجراءات ملموسة ومحفزة من قبل إسرائيل تجاه الفلسطينيين لا العكس، ولذلك لن يكل ملك المغرب كلما سنحت الفرصة لتذكير الجانب الإسرائيلي بالحقوق الفلسطينية غير قابلة للتصرف تحت أي مبرر أو التزام أو معاهدة.
لكن في قلب هاته الرسائل المتبادلة بين الرباط وتل أبيب يظهر جليا أن جزءا من الحل يوجد بيد الدولة المغربية، التي تبقى الدولة الأكثر أهلية بالنظر لمصداقيتها لارتباطاتها الدينية والتاريخية بالشعبين لاحتضان أي مسلسل تفاوضي يقود إلى حل عادل ومنصف للقضية الفلسطينية. فالمغرب بتاريخه المشرف في الدفاع عن القضايا القومية وعلى رأسها القضية الفلسطينية لن ييأس ملكه ولن يفقد الأمل في الدفع بوتيرة التفاوض نحو الأمام مهما بلغ منسوب التنمر الذي يتعرض له من لدن دول وجماعات اعتادت على احتراف الاتجار بالقضية الفلسطينية دون أن تقدم لها أي شيء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى