الرأي

السينما التي لا نريد

يحتفل العالم هذه الأيام بمرور 120 عاما على تصوير الأخوين لوميير لأول فيلم سينمائي بآلة «السينماتوغراف» التي كانت تصلح للتصوير والعرض في نفس الوقت، كان ذلك عام 1895، ولم تمر سنة واحدة حتى حمل فريق الأخوين لوميير الكاميرا متوجها إلى المغرب، وهو بذلك يكون أول بلد في العالم تقتحمه السينما، بعد فرنسا، وتوثق مناظره الطبيعية وناسه في حياتهم اليومية. كما أن المغرب شهد عام 1919 تصوير شريط مطول بعنوان «مكتوب» من إخراح جان بينشون ودانييل كانتام، وذلك في كل من مراكش وطنجة والدار البيضاء، فيما كان محمد عصفور أول مغربي حمل الكاميرا عام 1941 من أجل إنجاز أفلامه العجيبة، وكان عمره آنذاك لا يتعدى 15 عاما.
منذ الأربعينات من القرن الماضي حتى يومنا هذا ظل المغرب يستهوي كبار السينمائيين، بدءا من أندري زوبادا صاحب «عرس الرمال» سنة 1948، ومرورا بأورسون ويلز مخرج «عطيل» عام 1949، والذي تم تصويره بالصويرة والجديدة وآسفي، وألفريد هيتشكوك وفيلم «الرجل الذي يعرف أكثر من اللازم» الذي صور بمراكش، ووصولا إلى الانتاجات الهوليودية الضخمة التي صورت خلال العقد الأخير بورزازات وغيرها من المناطق المغربية، وهذا يعني أن للمغرب علاقة حميمية بالسينما منذ ميلادها، وكان حريا بالمركز السينمائي المغربي أن ينتهز فرصة مرور 120 سنة على بدايات الفن السابع ويخرج من سباته وينظم أنشطة مختلفة تبرز الأدوار التي لعبها المغرب على صعيد نشأة السينما وتطورها إلى أن حققت نضجها ودخلت عوالم الرقمنة والثورة التكنولوجية، لكن لا حياة لمن تنادي، إذ أن مركز صارم الفاسي الفهري تخصص في إضاعة الفرص، وتضييع وقت ثمين في مهاترات حول فيلم رديء لنبيل عيوش ملأ الدنيا وشغل الناس بما لا يفيد، كما أن أصحاب المركز لم ينتبهوا بعد إلى المخاطر التي تهدد استوديوهات ورزازات، حيث أن كبريات الشركات الهوليودية بدأت تتجه صوب استوديوهات دبي، إلى غير ذلك من المخاطر التي تغطي عليها السجالات العقيمة التي لا طائل من ورائها، إلى درجة أن المغاربة لم يعودوا يعرفون بالضبط أي سينما وطنية يريدون، لكنهم أجمعوا على التأكيد على أن السينما التي يرفضونها ليس بناء على معايير جمالية أو تقنية، بل على أساس مقاربات يغلب عليها الطابع اللاأخلاقي والوعظي، وهو أمر أحبط عزيمة الجيل الجديد من السينمائيين المغاربة الذين أضاعوا خريطة الطريق وشرعوا في التساؤل بحيرة: أي سينما سيسمح لنا بها، وأين تبدأ الخطوط الحمراء وأين تنتهي، وأي منطق سيتحكم مستقبلا في تقديم الدعم العمومي من عدمه، وهل يتعلق الأمر بردة وانتكاسة أم أن الأمر مجرد عاصفة في فنجان وسحابة صيف زائلة، لكن مركز صارم الفاسي لم يقدم لحد الساعة أي جواب شاف عن هذه التساؤلات واكتفى بالاختباء وراء مظلة «شوف وسكت».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى