شوف تشوف

الرأي

“القوارير و”القراعي”

يونس جنوحي

لا حديث في الشمال هذه الأيام إلا عن اكتشاف القناني أو الكرات الزجاجية التي يقال إنها تعود لقرون بعيدة جدا، والملصقات التي استيقظ عليها سكان طنجة في “البوليفار” والتي تدعو الناس إلى ستر بناتهم وزوجاتهم مع اقتراب حرارة الصيف.
بالنسبة لاكتشاف الزجاجات الكروية الشكل، فإن بيان المحافظة الجهوية للتراث بالجهة أشار إلى الواقعة ووضع معلومات مرتبطة بالموضوع، تبقى في الحقيقة نظرية علمية لكنها تحتاج إلى مزيد من البحث للوصول إلى التاريخ المضبوط لصناعتها وكيف تم تخزينها واكتشافها هذه الأيام.
أما الإشاعات، وهي الأشياء الأكثر انتشارا هذه الأيام، فذهبت إلى حد القول بأن تلك الزجاجات تعود إلى القرن الرابع عشر الميلادي. أي أن عمرها مئات السنين (قرابة سبعمائة سنة تحديدا)، وهذا المعطى الخطير يحتاج إلى تأكيد علمي وليس إلى الاستناد إلى التوقعات. إذ إن هذه القنينات، وهذا ما يمكن الوصول إليه عبر بحث بسيط في المواقع المتخصصة في هذا النوع من التحف والاكتشافات، ارتبط اسمها بملكة نابولي الملكة خوانا الأولى، والتي توفيت سنة 1382 ميلادية. أي أن ذلك الطراز والشكل من الأواني الزجاجية قد صُمم بعد وفاتها بفترة قصيرة جدا، ولا يعني بالضرورة أن القناني المكتشفة في طنجة تعود فعلا إلى تلك الفترة. إذ إن إحدى البلدات اشتهرت بتصنيع هذه الأواني الزجاجية التي تشبه الكرات في انتفاخها، مع توفرها على رأس علوي يطابق شكل القنينات التي تباع الآن في المحلات.
بلدة “بلييا” في الشرق الإسباني تنتمي إلى إقليم “ليريدا”، وسكانها كانوا يترددون كثيرا على طنجة أيام كانت منطقة دولية وهناك اليوم بنايات كاملة كانت في ملكية مواطنين من الأقاليم الشرقية الإسبانية خصوصا في جنوب برشلونة.
وهؤلاء الناس كانوا يعتبرون صناعة الكرات الزجاجية التي تستعمل لتصبير المشروبات وتعتيقها بحكم أن لونها الأخضر الغامق يحجب الضوء وهو ما يساعد على تكوين الكحول، تقليدا تتوارثه العائلات وأحد الأنشطة الأساسية لسكان تلك المنطقة. ويرجح جدا أن يكونوا قد حملوا معهم تلك القنينات إلى طنجة الدولية لتبقى حبيسة الدهاليز إلى أن تم اكتشافها أخيرا.
أما مسألة أن تكون القنينات تعود إلى عهد الملكة خوانا الأولى، فإنه من الصعب علميا إثبات هذا الأمر خصوصا في غياب بحث علمي جاد في الموضوع.
البيان الرسمي يساعد فعلا على وضع الأمور في سياقها وتبرير الشكل الغريب لتلك القنينات التي غزت صورها هواتف الناس وشاشاتهم.
وهناك عشرات آلاف القنينات من هذا النوع مطابقة تماما لتلك التي وُجدت “مقبورة” في طنجة صنعت حديثا ولا يتجاوز ثمنها 500 درهم مع احتساب رسوم نقلها وشحنها من أوربا إلى المغرب. أي أن تصنيعها يعود إلى وقت قريب عبر شركات أسست في عشرينيات القرن الماضي تقريبا وتوارثها أحفاد مؤسسيها الذين قرروا ألا يتخلوا عن صناعات أجدادهم الذين عاش بعضهم في طنجة أو استقروا بها لسنوات قبل أن يعودوا إلى مدنهم وقراهم الأصلية التي أنتجت هذا النوع من الحرف والصناعات اليدوية.
لسنا هنا بصدد التقليل من المفاجآت التي يمكن أن تخرج من جوف أرض طنجة. ليس آخرها السراديب تحت أرضية ولن يكون آخرها اللوحات الفنية التي تباع بملايين الأورو بعد اكتشافها في منازل رحل عنها أصحابها منذ أزيد من قرن.
أما إعلان محاولة إعادة تربية الآباء على طريقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فموضوع لا يستحق أن يصبح قضية رأي عام، ما دام الذين لديهم مشاكل مع المرأة يحملون بين أكتافهم رؤوسا تشبه إلى حد كبير القنينات التي تم اكتشافها أخيرا في نفس المدينة.
إذ إن هؤلاء الذين يدعون إلى التحكم في لباس الناس بدل أن يعظوا أنفسهم بـ”غض البصر”، ينشغلون بفرض مزاجهم على الناس، ولو تبعناهم في الطرح فإننا سوف نصل إلى مرحلة يتم فيها تصبير الزوجات والبنات في القنينات، وإخراجهن في غرف النوم وإعادتهن إلى القارورة حتى لا يفتنّ المؤمنين في الشوارع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى