
من أبرز عوائق العمل السياسي والنقابي عندنا، استمرار قيادات على رأس الهيئات حتى الوفاة، وإن كان تنازلهم أحيانا فلكي يعودوا مرة أخرى أكثر تشبثا بالمنصب والبحث عن تعديلات في القوانين الداخلية تضمن استمرار النفوذ الذي يضمن بدوره استمرار العلاقات المصلحية المتشعبة مع مسؤولين في المركز والامتيازات والمكاسب، وتوزيع المناصب والإكراميات على الداعمين والمقربين الذين يحرسون الكرسي.
من يتابع كيف شاخت القيادات النقابية والحزبية عندنا بالمغرب، وظلت تتحمل المسؤولية لسنوات طويلة، يخال أننا نعيش أزمة بديل حقيقية عن كل هذه الوجوه المستهلكة، لكن الواقع المر في الكواليس هو أن هذه القيادات ومن يدعمها هم من يقفون في وجه التغيير ويحاربون الكفاءات والطاقات الشابة، ويرفضون الأصوات التي تعارض داخليا ويمكنها تطوير الهيئات الحزبية والنقابية.
من الغريب أن يُعاد انتخاب وجوه سياسية ونقابية على رأس نفس الهيئات مرات متعددة، في حين هناك طاقات شابة تبقى خارج مسار التنافس ولا يتم تدريبها على تحمل المسؤولية، رغم الحاجة للكفاءة والتجديد، كما أن التخويف من المسؤولية يساهم في انكماش التغيير، وربط المؤسسات بالأشخاص من الأمراض المستعصية التي تتطلب العلاج الفعال وفق معادلة المؤسسات في استمرار والأشخاص إلى زوال بالتداول على المناصب والسلطة والمسؤولية.
هناك مفارقة مطالبة الأحزاب السياسية والنقابات بالمزيد من الحريات والديمقراطية من الدولة، مقابل انكماش القيادات على ذاتها ومحاولة توريث المناصب وتعديل القوانين الداخلية في كل مرة لضمان استمرار الوجوه التي تحاول أن تقنع الجميع أنه بدونها لا يمكن أن يتحرك أي شيء، والصحيح هو أن التشبيب إلزامي والاستفادة من تجارب من هم أكبر سنا وتجربة ضروري في إطار الاستمرارية والعبور الآمن للمراحل الانتقالية.
إن المرحلة المقبلة تتطلب كفاءات وطاقات جديدة، وتمكين الشباب من تحمل المسؤوليات ودعمه لكسب الثقة في النفس في علاقة بتنزيل إجراءات استراتيجية للتنمية والجرأة السياسية المواكبة للمرحلة، وتسريع التعامل مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية، والأخذ بعين الاعتبار مستقبل المملكة بالنسبة لمشاريع ضخمة ورهانات المونديال والاستثمارات الدولية وتطوير الصناعات وتعزيز الإنتاج الوطني.
لا شك أن الوجوه المستهلكة تحول دون تعزيز الثقة في العمل السياسي والنقابي، واجتهادها في التعديلات القانونية التي تضمن استمرارها في المنصب وما يرتبط به من امتيازات، كان الأصح أن يكون في ترسيخ الديمقراطية الداخلية، واستقطاب الطاقات الشابة والكفاءات ودفعها لتحمل المسؤولية ومواكبتها، وتحويل الهيئات النقابية والحزبية إلى مثل يُضرب في احترام التنافس الشريف والشفافية والنزاهة، والتأطير وخلق فضاءات للنقاش الجاد وتشكيل رأي عام يعرف ما يريد بدل انسياقه خلف مخدر الشعبوية ودغدغة العواطف وشائعات المواقع الاجتماعية التي تغرق في الفوضى المتحكم فيها والموجهة تقنيا حسب الحاجة.