
قوبل المقترح الذي تقدم به حزب «فوكس» اليميني المتطرف لتعليق برنامج تعليم اللغة العربية والثقافة المغربية في المدارس الإسبانية بالرفض داخل البرلمان، بعد أن لم يحظَ بدعم يُذكر، حتى من الحزب الشعبي الإسباني الذي امتنع عن التصويت لصالحه. وأثار موقف الحزب الشعبي استياء «فوكس»، الذي اتهمه بالتخلي عن مواقفه المحافظة، معتبراً أن رفض المقترح يُظهر تردداً في التصدي لما وصفه بـ«النفوذ المغربي المتزايد» داخل المؤسسات التعليمية في البلاد.
ورقة حزبية بيد اليمين
رفضت الأحزاب السياسية الإسبانية مقترحا حزبيا يقضي بوقف تلقين «اللغة العربية والثقافة المغربية» بالمدارس الإسبانية. وصوتت أحزاب اليسار والحزب الشعبي بالبرلمان الإسباني ضد مقترح تقدم به «فوكس» الذي حذّر مما أسماه «مخاطر تدريس اللغة العربية والثقافة المغربية بالمدارس الإسبانية»، وما يجسده ذلك من كون المغرب، حسبه، لا «يعترف بالجنسية الإسبانية لمواطنيه، ويشترط على الطلاب من أصل مغربي الحفاظ على هويتهم المغربية».
ودافع ممثل الحزب في قرطبة والمتحدث باسم المجموعة البرلمانية المعنية بلجنة التعليم، خوسي راميريز، في الكونغرس عن مشروع قانون يطالب «بوقف برنامج اللغة العربية والثقافة المغربية الذي يُدرّس في المدارس الإسبانية بموجب اتفاقية مع المملكة المغربية، وهو برنامج يُطبّق في مقاطعات مثل كتالونيا ومورسيا والأندلس».
وأشار راميريز إلى أنه، على الرغم من أن هذا النوع من المبادرات قد يبدو مشابهًا لبرامج ثقافية أخرى، مثل برامج معهد غوته أو معهد دانتي، إلا أن هناك اختلافات جوهرية تجعله «غير مقبول من منظور السيادة والتكامل»، وبرر الحزب مقترحه بكون تدريس الثقافة المغربية «يكبح الإدماج الأكاديمي والاجتماعي والثقافي لهؤلاء الطلاب في النظام التعليمي الإسباني وفي المجتمع الإسباني، علاوة على وجود ممارسات قانونية في المغرب، مثل تعدد الزوجات، تتعارض مع النظام القانوني الإسباني، وقد أدت بالفعل إلى أوضاع شاذة في البلاد»، وفق تعبير ممثل الحزب. ولم تفلح مبررات ودفوعات حزب «فوكس» في إقناع البرلمانيين بالتصويت لصالح القرار، حيث صوتت أحزاب اليسار والحزب الشعبي الإسباني ضد المقترح برمته.
البرنامج، الذي أثار الجدل، يستند إلى اتفاق رسمي بين الرباط ومدريد، وتقوم «مؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج» بتمويله، في حين يتم تنفيذه بالتنسيق بين وزارة التعليم الإسبانية وطاقم من السفارة المغربية. ويهدف البرنامج إلى تعليم أبناء الجالية اللغة والثقافة المغربية، من خلال أساتذة يتم انتدابهم مباشرة من المغرب.
اليمين الأوروبي يعارض الثقافات الأصلية للمهاجرين
اعتبر «فوكس» أن استمرار البرنامج يمثل تهديداً للهوية الإسبانية، ويُعيق اندماج التلاميذ من أصول مهاجرة في المجتمع، بل وذهب إلى حد الحديث عن «أسلمة محتملة» للنسيج الاجتماعي الإسباني، داعياً إلى وقف ما سماه «التلقين الأيديولوجي». ويرى منتقدو المقترح أن مثل هذه البرامج تُعزز من التعددية والانفتاح، وتُسهم في الحفاظ على الروابط الثقافية لأبناء الجاليات دون أن تتعارض مع قيم المواطنة أو الاندماج المجتمعي.
فرغم تسليط الأضواء على اليمين المتطرف في أوروبا وعواقب مواقفه وممارساته العدائية تجاه العرب والمسلمين، فإنّ المصدر الأشد خطورة على مستقبل وجودهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي داخل البلدان الأوروبية، يتمثّل في التوجّه السياسي الرسمي إلى تبنّي دعوات كانت من «اختصاص» اليمين المتطرّف إذا صحّ التعبير، ونحو «تقنين» ممارسات تعود بالأضرار على المسلمين في أوروبا على وجه التخصيص، ممّا يعطيها صبغة عنصرية، تتناقض مع حقوقهم الأساسية ومع المبادئ المعلنة لأنظمة الحكم الأوروبية.
وهنا برز للعيان أنّ العرب والمسلمين كانوا هم المستهدفين على أرض الواقع أكثر من سواهم، من عمليات الاعتداء الجسدي في الشوارع والأماكن العامة، وحرق المنازل، وجرائم القتل، فضلا عن ازدياد التمييز العنصري على حسابهم في الحياة اليومية على صعيد العمل والمسكن مثلا، وحتى في نطاق تعامل الدوائر الأمنية مع ظاهرة التطرف وضحاياها.
الظاهرة تشمل كل أوروبا
عرفت السنوات الأخيرة نجاحات لافتة وغير متوقعة لأحزاب أقصى اليمين ـ أو ما يطلق عليها أحياناً أحزاب اليمين المتطرف، الراديكالي أو الشعبوي ـ في أغلب دول أوروبا الغربية وخصوصاً في النمسا، النرويج، الدنمارك، هولندا، سويسرا وفرنسا، سواء في انتخابات المحافظات المحلية أو في الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وحتى في انتخابات البرلمان الأوروبي. وبالرغم من تفاوت النتائج التي أحرزها أقصى اليمين هناك، بين الوصول إلى الحكم أو المشاركة في تشكيل الحكومات، أو على الأقل المنافسة الجدية والاقتراب من تحصيل السلطة، إلا أنها تمكنت بالفعل من أن تخلق نوعاً من الفوضى ضمن الأنظمة السياسية الأوروبية التي تميزت غالباً بالاستقرار، بحيث أصبح من الصعب على الأحزاب التقليدية ضمن اليمين أو اليسار أن تحقق أغلبية مستقرة كما كانت عليه العادة، وأصبحت مجبرة على التعاون مع الأحزاب اليمينية المتطرفة بعدما كان مجرد حصول حزب يميني على عدد محدود من المقاعد في البرلمان حدثاً يحرك القارة بأكملها، مثلما حدث مع الحزب النمساوي المتطرف (FPÖ) سنة 1999 ـ حين تمكن من دخول البرلمان النمساوي فكان رد الفعل الأوروبي المقاطعة الدبلوماسية للسويد ـ وهو ما جعل هذه الأحزاب تنتفض على ماضيها كمجرد أحزاب مناسبات، لتصبح فاعلاً مؤثراً ومنافساً ضمن الحياة السياسية الأوروبية، وترتقي لتكون أحد البدائل السياسية الجديرة بثقة الناخب الأوروبي عن القوى السياسية التقليدية ضمن اليمين واليسار.
اللافت في هذا الصعود أنه اقترن بظاهرة أخرى متزامنة، هي تصاعد الكراهية ضد المسلمين (Islamophobia)، أو ربما بتعبير غير لغوي، العداء للمسلمين، في أوروبا والمعبَّر عنها إعلامياً وأكاديمياً بظاهرة الإسلاموفوبيا. وهي ظاهرة فكرية بدأت تتقوى وتستشري في المجتمعات الأوروبية لتصبح أيديولوجية ترتبط بنظرة اختزالية وصورة نمطية للإسلام ومعتنقيه من المهاجرين في أوروبا، كمجموعة منغلقة على ذاتها ومحدودة، تؤمن بقيم رجعية تحض على العنف والاختزال والنظرة السلبية للآخر وترفض العقلانية والمنطق وحقوق الإنسان.
لا شك في أن هذا التزامن يؤشر على وجود علاقة بين الظاهرتين، ويبرر بالتالي طرح إشكالية ارتباط صعود اليمين المتطرف الأوروبي ـ وحظي بالقبول لدى الناخب الأوروبي ـ بالعداء للإسلام والمهاجرين المسلمين في برنامجه السياسي. فرغم تعدد المقاربات لظاهرة صعود اليمين المتطرف، إلا أن قليلاً منها ضمن الأدبيات الغربية استقصى هذه العلاقة.