الرئيسيةملف الأسبوع

جنرالات مغاربة عابرون للقارات….قيادات عسكرية شاركت في معارك خارجية

انطلقت مناورات «الأسد الإفريقي» في الجنوب المغربي، بحضور عشرات الشخصيات العسكرية الممثلة للجيوش متعددة الجنسيات المشاركة في التدربيات الميدانية. في هذه المناورات برز اسم الجنرال دوكور دارمي الفاروق بلخير، المنحدر من منطقة مير اللفت، وهو الذي ظل لسنوات يعيش في ظل الجنرال عبد العزيز بناني القائد السابق للمنطقة الجنوبية.

لكن الجيش المغربي دخل العالمية مبكرا، ففي 1960 هبت القوات المسلحة الملكية وهي في طور نشأتها لمساعدة الكونغو حين كانت تمزق أحشاءه حرب أهلية طاحنة، وذلك ضمن بعثة الأمم المتحدة لتأمين السلم وكبح مغامرات الانفصال. وبعد سبعة عشر سنة على هذا التاريخ، أوفدت المملكة من جديد تجريدة عسكرية إلى زائير، حيث كان الرئيس موبوتو يواجه تمردا شرسا في إقليم شابا. وخلال هذه العملية، أبلى الجنود المغاربة البلاء الحسن من أجل صيانة الوحدة الترابية لهذا البلد الإفريقي، وفي المحطتين معا تألق قادة عسكريون مغاربة ما زالت أسماؤهم حاضرة في تاريخ ذلك البلد.

في كثير من دول إفريقيا، واصلت التجريدات العسكرية المغربية حضورها القوي، ففي الصومال انتزع الجيش المغربي إعجاب المنتظم الدولي، بعد العمل الجبار الذي قام به، متحديا مخاطر حرب أهلية ضروس. كما حازت القوات المسلحة الملكية سمعة طيبة في العمليات التي شاركت فيها بأوروبا وأمريكا. وتندرج هذه العمليات في صميم سياسة انفتاح المملكة وتضامنها الدائم مع جميع الشعوب، لترسيخ أسس الشرعية الدولية وإرساء قواعد الحق والمشروعية وتعزيز الوفاق والحوار.

لم يقتصر دور هذه البعثات على الجانب الأمني، بل سعت إلى تحقيق الأمن الاجتماعي، والتخفيف من معاناة السكان بغية إعادة الطمأنينة وتقديم المساعدات والعلاجات للمنكوبين، وذلك بفضل قيادات عسكرية تم اختيارها بدقة من ملوك المغرب.

إدريس بنعمر.. جنرال تغنت العيطة بغاراته
بدأت علاقة إدريس بنعمر بالمحيط الملكي في ليلة 29 فبراير 1960، حين أشعر الملك محمد الخامس بخبر الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة أكادير وأحال الجزء الأكبر منها إلى خراب.

ما إن لاح الفجر حتى أعلن الملك عن تكوين خلية أزمة على رأسها ولي العهد آنذاك الحسن الثاني، وضم إليها كلا من الأميرة للاعائشة رئيسة التعاون الوطني، والأميرة للا مليكة رئيسة الهلال الأحمر المغربي. وأوكل الجانب الأمني للقوات المسلحة المغربية حديثة النشأة بقيادة الجنرال إدريس بنعمر، فيما أشرف العامل محمد بنهيمة ومساعده الباشا لحسن بونعماني على الأمور الإدارية.

ولد الجنرال إدريس بنعمر العلمي يوم 26 شتنبر سنة 1917 في مدينة زرهون، وتلقى دراسته الابتدائية والثانوية في مدينة مكناس قبل أن يلتحق عام 1935 بالأكاديمية العسكرية مكناس، وتخرج منها برتبة ملازم أول في سنة 1939. وتوفي يوم الجمعة 18 أبريل سنة 2002 بمدينة الدار البيضاء بعد معاناة مع المرض دامت سنتين. لمع نجمه في حرب الرمال ولقب ببطلها. لم يكن يجد نفسه في غير ساحة الوغى ولم يكن يرغب في مناداته بغير «الجنرال»، لقد ظل رجل ميدان بامتياز.

ظل إدريس يجسد كل القيم النبيلة في مهنة الجندية، وعلى رأسها الوفاء المطلق للوطن والاستعداد للموت من أجله، وهو من الذين شاركوا ببسالة في الحرب العالمية الثانية بجانب العديد من المغاربة الذين شاركوا بقوة مع الفرنسيين لإنقاذ بلادهم من الاحتلال النازي ومن أجل سيادة الحرية.

احتل الجنرال إدريس بنعمر العلمي موقع الريادة في الرعيل الأول من النخبة العسكرية للمغرب المستقل. إنه أحد عناصر الجيل الأول من هذه النخبة التي ضمت الجنرالات: حمو الكتاني وعبد الحفيظ العلوي ومحمد بنعيسى وغيرهم. وهو الجيل الذي ساهم بشكل كبير في تأسيس العمود الفقري للجيش المغربي.

تدرج الجنرال إدريس بنعمر العلمي عبر مسؤوليات ومناصب سامية همت مجالات واسعة في القيادة العسكرية والمجالات المدنية، وشارك في الحرب الهندية الصينية، بعد أن برز كضابط شاب في معركة «مونتي كاسينو» لتحرير إيطاليا ثم فرنسا من براثن الفاشية والنازية.

وكانت أول معركة شارك فيها الجنرال، في شهر دجنبر 1943 بالمنطقة الجبلية «لابروز» الإيطالية، كان وقتئذ ملازما رفقة شقيقه الأصغر حسن، الذي لقي حتفه محاربا، وروت دماؤه التراب الإيطالي دفاعا عن الحرية ومستقبل الإنسانية. قاد فرقته بنجاح وأبدى شجاعة أبهرت رؤساءه.

برزت كفاءته أكثر في حرب الرمال وقيل إنه قبل على مضض الامتثال لأمر الملك القاضي بتراجع الجيش المغربي إلى مواقعه بعد توغل كبير في الأراضي الجزائرية سنة 1963. ومنذ ذلك التاريخ، لقب الجنرال إدريس بنعمر العلمي بـ «بطل حرب الرمال».

بعد وفاة بنعمر سنة 2002، استقبل الملك محمد السادس ابنه المهدي في القصر الملكي، حيث قدم هذا الأخير العزاء للملك في وفاة الجنرال الوحيد الذي تغنت به «العيطة».

لوباريس.. مظلي جاب أدغال إفريقيا وتصدى لاعبابو
ينحدر عبد القادر لوباريس من عائلة موريسكية استقرت في الرباط بعد نزوحها من الأندلس. ولد في منتصف الثلاثينات وعرف في طفولته بنباهته الفكرية. التحق بالمدرسة العسكرية بمكناس ثم فرنسا وتخصص في سلاح المظليين، وكان ضمن الدفعة الثانية والخمسين من خريجي هذه المدرسة العريقة.

كان لوباريس ضمن مجموعة ضباط الحماية الفرنسية إلى جانب اليوسي وأحرضان ثم أوفقير، كما ورد في مذكرات «الزايغ»، قبل أن يصبح بطل الهواء حين عين عقيدا في سلاح المظليين.

سابق عاصر الانقلابات ووقف مع الشرعية وحظي بثقة القيادة العسكرية وقاد تجريدة الزايير وشارك في حرب أكتوبر حيث أبلى فيها البلاء الحسن وأبان بأنه يستحق قيادة نخبة القوات المسلحة الملكية.

برزت شهامته حين حاصرت المجموعات المختلفة من جنود أهرمومو القصر الملكي بالصخيرات، في يوليوز 1971، حيث وقف في البوابة يحاول منع اقتحام الانقلابيين في الوقت الذي هرب الكثير من المدعوين وساد الارتباك المكان، لكن الكولونيل عبد القادر لوباريس حاول ثني العقيد مدبر الانقلاب اعبابو عن الفكرة، ليتطور الأمر إلى مناوشات انتهت بإصابة لوباريس، ما شكل نقطة إطلاق الرصاص في جميع أرجاء القصر.

يقول الكاتب مصطفى العلوي: «عندما أفرغ اعبابو رشاشته في جوف الكولونيل لوباريس، رئيس المظليين، في حدائق الصخيرات، عند بداية الهجوم، كان سائق الكولونيل لوباريس يشاهد كل شيء من بعيد، وعندما عاد اعبابو إلى مصيف الصخيرات بعد أن تأكد من أنه قضى على حياة لوباريس، توجه السائق إلى جسد رئيسه لوباريس، فوجد قلبه لازال ينبض ودمه لازال يسيل، فحمله على كتفيه وتوجه به إلى حامية رجال المظلات التي لم تكن بعيدة عن مصيف الصخيرات، وكان عند لوباريس متسع من الوقت وطاقة كافية للإسعاف أولا ولكي يعطي أوامره إلى حامية المظلات كي تحمل السلاح وتذهب لإنقاذ الصخيرات».

وتقول بعض الروايات إن الجنرال بن عبد السلام هو من منع الكولونيل لوباريس من تنفيذ رغبته بسحق ضباط الصف والجنود الذين كانوا يعملون في قاعدة القنيطرة الجوية إبان الانقلاب الثاني عام 1972.

وتتداول أدبيات حرب الرمال طريفة حول الجنرال لوباريس، عندما استعمل خطة قطيع الغنم بالليل محملا بـ «بيلات» الإنارة وأجراس، فظن الجيش الجزائري أنهم جنود مغاربة يناورون في الجبل فبدء القصف ضد قطيع الغنم، وبالتالي عرف مكان اختباء الجيش الجزائري من خلال النيران فشرع الجيش المغربي بالقصف المضاد.

سابق عاصر الانقلابات ووقف مع الشرعية وحظي بثقة القيادة العسكرية وقاد تجريدة الزايير وشارك في حرب أكتوبر حيث أبلى فيها البلاء الحسن.

بناني.. شيخ الجنرالات بين حرب الصحراء ومحنة المرض
من مواليد تازة سنة 1939 من أسرة تمارس تجارة الأثواب قبل أن يغير بصفته أكبر الأبناء حرفة التجارة ويدخل عالم التكوين العسكري، الذي قاده إلى أعلى المراتب العسكرية في البلاد. كان يجر وراءه شجرة نسب لعائلة كبيرة، ورغم ذلك اختار العسكر على غرار صديقه الجنرال حسني بن سليمان حيث إن الجنرالين معا من خريجي «فوج محمد الخامس» بالمدرسة العسكرية للضباط بمدينة مكناس، عام 1956. فيما لم يتأخر أول عمل عسكري في مسيرة هذا الجنرال المعمّر، حيث كانت أولى المهام التي شارك فيها تلك المتمثلة في استعادة طرفاية من يد الإسبان عام 1957. لكن محطة قفزته الحقيقية، كانت عام 1975 مع اندلاع حرب الصحراء ضد جبهة البوليساريو، مرورا بمشاركته الفعالة في حرب الرمال ضد الجزائر عام 1963.

كان ضمن مجموعة أولى من الشبان المحظوظين الذين تم انتقاؤهم بعد الحصول على الباكالوريا للاستفادة من تكوينات مكثفة في كل من إسبانيا وفرنسا، والإنجاز الذي قد يكون رأسماله الذي لا يفنى بعد توليه مقاليد حرب الصحراء حيث عين خليفة لأحمد الدليمي بعد وفاته.

قضى الجنرال عبد العزيز بناني، حوالي سنة كاملة ممددا على فراش المرض في غرفة العناية المركزة، قدر للرجل أن يعيش تفاصيل المرض منذ شهري يونيو 2014 إلى غاية ماي 2015، قضاها بين المستشفى العسكري «فال دوغراس» بباريس والمستشفى العسكري بالرباط، قبل أن يسلم الروح إلى بارئها ويوارى جثمانه في مقبرة الشهداء بالرباط.

عانى عبد العزيز من أمراض الشيخوخة وأصيب بداء السكري واضطر إلى العيش بالتنفس الاصطناعي لأيام، قبل أن يدخل في غيبوبة جعلت إدارة المستشفى تحصي ما تبقى في رصيد عمره من أيام، علما أنه

ونظرا لأهمية موقعه في المنظومة العسكرية فقد اتخذت إجراءات صارمة للحيلولة دون الاقتراب من الجسد الممدد في غرفة كتب عليها «ممنوع الزيارة»، لاسيما وأن المريض كان يحكم عساكر المنطقة الجنوبية ذات الأهمية الاستراتيجية، علما أنه شغل نفس المنصب الذي كان يشغله الجنرال أحمد الدليمي مباشرة بعد وفاة هذا الأخير.

إلا أن الواقعة التي أثرت في الجنرال قبل رحيله هي زيارة الضابط السابق مصطفى أديب الذي أصر على استفزاز الرجل وهو على فراش المرض بالمصحة الفرنسية، حيث وضع أمام غرفته أرخص باقة زهور وذلك في إطار تصفية حسابات سابقة.

كانت أولى المهام التي شارك فيها تلك المتمثلة في استعادة طرفاية من يد الإسبان عام 1957 لكن قفزته الحقيقية كانت مع اندلاع الحرب ضد البوليساريو.

عمر الصقلي.. جمعت الصحافة والفن والرياضة
كان عمر الصقلي واحدا من الأسماء التي ارتبطت بالمدينة القديمة للدار البيضاء. هو الأخ الأصغر لمجموعة من الرجال الذين طبعوا تاريخ المغرب ما بعد الاستقلال، فهو أخ حسن الصقلي، ولعربي الصقلي أول صحفي بالإذاعة والتلفزة الوطنية وحميد الصقلي الذي كان رئيس فريق الرجاء البيضاوي والجامعة الوطنية للسباحة.

قدم الرجل خدمات جليلة لوطنه بشجاعة ونبل، التحق بالجيش المغربي منذ تأسيه عام 1956، وحصل على أوسمة في الفرقة المدرعة كما نال ترقية من الملك محمد الخامس وهو الحائز على جائزة مدرسة «القديس سير» العسكرية باعتباره رجلا رياضيا عظيما.

في أبريل الماضي توفي عمر الصقلي في المستشفى العسكري بالرباط، هذا الضابط الكبير في القوات المسلحة الملكية، الذي يحظى بتقدير كبير في صفوف الجيش، ومن بين المهام التي برع فيها في السبعينيات، قيادة الفرقة المدرعة في طانطان ولاحقا في الرشيدية وأنهى مسيرته كقائد لمكان السلاح بالرباط. توفي وهو يحمل رتبة جنرال دو بريكَاد بعد معاناة مع المرض، وفق ما كشف عنه منتدى القوات المسلحة الملكية.

قال منتدى القوات المسلحة الملكية حين بث شريطا يوثق لمشاركة المئات من الجنود في الجيش المغربي في العملية الأممية الثانية في الصومال، إلى جانب الجيش الأمريكي، حيث يعتبر الفيديو المادة الوحيدة في الإنترنت التي تؤرخ لوجود الجنود المغاربة في الصومال. إن عناصر الجيش المغربي، قد أبلوا البلاء الحسن حين كانوا موجودين في الأراضي الصومالية سنة 1993، حيث بدا جليا الترحيب الذي لاقاه الجنود المغاربة من طرف الساكنة المسلمة في الأراضي الصومالية.

وشاركت الكتيبة العسكرية المغربية، رفقة قوات الأمم المتحدة، في عملية «إعادة الأمل»، والتي قالت الولايات المتحدة الأمريكية إنها كانت ترمي إلى إنقاذ الصوماليين من حرب أهلية قتلت أكثر من 30 ألفا منهم، حيث تركزت مهمة العناصر المغربية في حماية قوافل المساعدات الإنسانية.

وأرسل المغرب تجريدة عسكرية من 1300 عنصر إلى الصومال، يترأسهم الكولونيل ماجور عمر الصقلي. وفي 13 يونيو 1993 لقي خمسة عناصر من القوات المغربية حتفهم في كمين للمتمردين، وكان من ضمنهم الضابط الكولونيل عبد الله بن ماموس. وقالت كتابات صحفية إن جنودا مغاربة قد ماتوا بعدما التهمتهم تماسيح أثناء سباحتهم في بركة مائية بالأدغال، خلال فترة راحة بهذا البلد الإفريقي، فكانت نهايتهم مأساوية.

وشارك المغرب في العديد من عمليات إحلال السلام في بؤر التوتر في العالم، منها أزمة الكونغو التي كانت تمزقها حرب أهلية طاحنة، حيث بعث المغرب تجريدة ضمن بعثة الأمم المتحدة لصد مغامرات الانفصال، وأيضا أرسل تجريدة عسكرية إلى زائير، حيث كان الرئيس موبوتو يواجه تمردا شرسا في إقليم شابا.

من بين المهام التي برع فيها في السبعينيات قيادة الفرقة المدرعة في طانطان ولاحقا في الرشيدية وأنهى مسيرته كقائد لمكان السلاح بالرباط.

الحسن الثاني والجنرال الصفريوي والتجريدة المغربية
عاشت الثكنات العسكرية حالة تأهب بناء على تعليمات ملكية، فقد قرر الملك، أيضا، إرسال جنود مغاربة إلى صحراء سيناء، بعد أيام قليلة من اندلاع الحرب بين العرب وإسرائيل، بعدما تم تجميع المجندين داخلها، في 14 ماي 1973، أي حوالي ستة أشهر قبل إطلاق الرصاصة الأولى لحرب أكتوبر. كان الملك الحسن الثاني، حسم في مشاركة المغرب، واحتضنت الرباط، خلال ذلك اليوم، استعراضا عسكريا للتجريدة المغربية التي ستغادر إلى سوريا، وهو الاستعراض الذي تزامن مع احتفالات الذكرى 17 لتشكيل القوات المسلحة الملكية، وفيه اختار الملك، باعتباره القائد الأعلى للجيش وأركان الحرب، الجنرال عبد السلام الصفريوي، قائدا عاما للبعثة العسكرية.

خلال الحفل سلم الحسن الثاني للجنرال الصفريوي بزيه الميداني وعلى رأسه الخوذة العسكرية، راية التجريدة المغربية، لحظات بعد توجيه الملك الأمر اليومي للقوات المسلحة الملكية، وخطابا خاصا قال فيه:

«تجريدتنا التي ستسافر بعد قليل للالتحاق بالواجهة للدفاع عن الوطن العربي، منذ تأسيس الجيش الملكي لم أعش ساعة تأثرت فيها أكثر مما تأثرت في هذه الساعة، وأنا أسلم التجريدة المغربية علمها الأصيل وعليها أن تظهره في أحسن مظاهره، وأبهى عناوينه. عليها أن تجعلنا نحن هنا نفتخر به ونفتخر بمن سيستشهد حوله»، بدا وكأن الملك كان يعرف مصير عدد من أفراد البعثة.

وكان الجنرال عبد السلام الصفريوي، الذي اختير قائدا عاما للتجريدة، من أشهر جنرالات تلك المرحلة من تاريخ المغرب، وكان صهر الجنرال أحمد الدليمي، ويوصف الصفريوي، بأنه من العسكريين الأوفياء للملك، وكان من المستهدفين، وفق ما ورد في كتاب «ضباط صاحب الجلالة»، للمحجوب الطبجي، الذي كان مساعدا للصفريوي في حرب الجولان، إبان محاولة انقلاب 1971 في قصر الصخيرات، فأصيب برصاصة في ركبته.

بعد حرب أكتوبر تقلد الجنرال الصفريوي، عددا من المناصب، منها عامل أكادير ووجدة، ثم الدار البيضاء، كما عين قائدا للواء الخفيف للأمن، ومديرا للأكاديمية العسكرية الملكية، وانتهى به المطاف العسكري على رأس الحرس الملكي، وفي السلك الدبلوماسي، حيث كان سفيرا للمغرب لدى المملكة الهولندية.

بعد حرب أكتوبر تقلد الجنرال الصفريوي عددا من المناصب منها عامل أكادير ووجدة والدار البيضاء كما عين قائدا للواء الخفيف للأمن ومديرا للأكاديمية العسكرية الملكية.

الجنرال حسن الحاتمي …تعيين عسكري أثناء الدروس الحسنية
عندما دقت طبول الحرب في الشرق الأوسط، زار اللواء المصري سعد الدين الشاذلي المغرب في غشت 1973، حيث التقى بالملك الحسن الثاني ملتمسا منه مشاركة الجيش المغربي في معركة استرجاع صحراء سيناء. وافق الملك على المقترح ودعاه للقيام بزيارة تفقدية لمختلف الثكنات والقواعد العسكرية المغربية للوقوف على احتياجات الجيش المصري.

قال الحسن الثاني في حوار صحفي يسلط فيه الضوء على لقائه مع الشاذلي: «زارني اللواء سعد الدين الشاذلي في أواخر شهر غشت وقال لي إن القوات المسلحة المصرية تتمنى أن يرسل المغرب تجريدة عسكرية تقف معها على الجبهة، وحدد نوعية الأسلحة، وقد استجبنا لهذا الطلب وأخذنا نهيئ القوات المطلوبة، وكان تخطيطنا أن تصبح التجريدة العسكرية المغربية كاملة العدة والتدريب في شهر نونبر، فإذا بالحرب تنشب يوم سادس أكتوبر، ولم تكن جاهزة لا من ناحية العدد ولا من ناحية التدريب، فاضطررت إلى أخذ ثلاث وحدات من القوات المسلحة الملكية وأرسلتها فورا بواسطة جسر جوي مغربي استخدمنا فيه حتى طائرات البوينغ والكارافيل المدنية التي نملكها. وخلال يومين ونصف كانت قواتنا فوق أرض مصر.

كان الكولونيل ماجور حسن الحاتمي يتابع الدروس الحسنية الرمضانية في المسجد الملحق بالقصر الملكي، وصل خبر اندلاع الحرب في سيناء والجولان، فأخبر الحسن الثاني الحاضرين وألقى كلمة حول الجهاد والاستشهاد في سبيل الله. وبعد صلاة المغرب توصل الحاتمي بدعوة من القصر حيث تلقى من الملك تعليمات بالسفر فورا إلى الجبهة المصرية، وحدد معه موعدا لمراسيم توديع التجريدة المغربية، وخلالها تسلم القائد العسكري علم اللواء من الحسن الثاني وهو يتحدث عن شرف الاستشهاد.

قال حاتمي إنه ظل على اتصال يومي مع الملك الحسن الثاني ينقل إليه تفاصيل يوميات الجنود المغاربة، خاصة مشكلة اللباس العسكري، إذ عندما وصل الجنود المغاربة إلى معسكر يبعد عن القاهرة ببضعة كيلومترات، طلب منهم الضباط المصريون تغيير لباسهم العسكري الأخضر حتى لا يتطابق مع لباس الجنود الاسرائيليين الذين كان لباسهم العسكري بنفس اللون الأخضر تقريبا، فتم الحسم في الأمر بعد استشارة من الملك.

بعد عودته من مصر، عين الملك القائد حاتمي في مهمة دبلوماسية، كملحق عسكري للأميرة للاعائشة، لما تقلدت مهام سفيرة المغرب بالمملكة المتحدة، كما عين سفيرا للمملكة المغربية في الكونغو كينشاسا، ومديرا عاما لمكتب السكنى العسكرية. ومن المفارقات الغريبة أن ينتقل إلى عفو الله يوم 12 غشت 2012، في ذكرى زيارة اللواء الشاذلي للمغرب.

توصل الحاتمي بدعوة من القصر حيث تلقى من الملك تعليمات بالسفر فورا إلى الجبهة المصرية، وحدد معه موعدا لمراسيم توديع التجريدة المغربية.

محمد الخامس والجنرال الكتاني… بين تمرد أوبيهي والكونغو
تصنفه بعض الكتابات التاريخية كأول قائد عسكري مغربي يبلغ هذه الرتبة داخل القوات المسلحة الملكية، ولكن الجنرال الكتاني بن حمو الدقوني ابن مدينة برشيد، ظل ينافس أبناء زيان في الجيش ويجبرهم على احترامه.

في كتابه «حكاية عصيان تافيلالت» يقول عبد اللطيف جبرو إن «التمرد تزامن مع سفر الملك محمد الخامس إلى إيطاليا، وكان مدبرا تدبيرا محكما»، وقال محمد بن ددوش في مذكراته، إن محمد الخامس كان مسافرا إلى إيطاليا لملاقاة البابا، لكنه لم يلتق به، وحين وصله خبر تمرد قصر السوق، ألقى خطابا من روما دعا فيه عدي أوبيهي إلى التحلي بروح المسؤولية وفوض أمر تهدئة الوضع الأمني لولي عهده الأمير مولاي الحسن.

كلف محمد الخامس قائدا عسكريا خبر منطقة قصر السوق اسمه الكتاني، ودعاه إلى سل الشعرة من عجين التمرد بدون إراقة دماء، خاصة بعد أن علم بأن عدي بصفته عاملا على تافيلالت، قد جند ثلاثة آلاف رجل ووزع عليهم السلاح، وأعطاهم أوامر باحتلال مركز البريد وإلقاء القبض على أفراد من حزب الاستقلال وحكام السدد، وشرع في التنفيذ يوم 19 يناير 1957. لكن الكتاني تمكن من السيطرة على الوضع، ومن العودة إلى الرباط ومعه عدي المتمرد.

كانت تربط عدي علاقة ولاء مع الملك محمد الخامس، كما أكدت ذلك عدة مصادر وشهادات، وكان مدعما من طرف الحسن اليوسي الذي شغل منصب وزير التاج، لكنه كان يعتبر حزب الاستقلال خصمه الأكبر.

وحسب رواية الجيلاني طهير، الباحث في تاريخ أولاد حريز، فإن الملك محمد الخامس قد أمر في شهر أبريل 1956، ولي العهد مولاي الحسن بتأسيس الجيش الملكي. «وفي شهر ماي 1956 استدعي الكتاني من ألمانيا، وتمت ترقيته إلى جنرال دي بريكاد، وعهد إليه بتأطير النواة الأولى من الضباط لهيئة الأركان بالقوات المسلحة الملكية قبل تخرج أول فوج من الضباط الشباب من المدرسة العسكرية تحت قيادته.

بعد أن أنجز هذه المهمة بتقدير جيد، كلفه الملك محمد الخامس بمهمة في الكونغو، بعد أن طلب باتريس لومومبا من الملك المغربي مساهمة القوات المسلحة الملكية في الدفاع عن الشرعية السياسية بالكونغو تحت راية الأمم المتحدة. واستجاب الملك الراحل لندائه وعين الكتاني لهذه المهمة.

في الستينات، توفي الجنرال الكتاني بعد فقدان الوعي، وأجمع رفاق دربه، بأنه «رجل شريف، عاش متواضعا، لم يهتم بغير مشواره العسكري، لم يبحث قط عن الثراء، ولم يترك أي ثروة»، هكذا يلخصون سيرته الذاتية.

كلفه الملك محمد الخامس بمهمة في الكونغو بعدما طلب باتريس لومومبا من الملك المغربي مساهمة القوات المسلحة الملكية في الدفاع عن الشرعية.

المارشال أمزيان.. محمد الخامس يعيده للثكنات والحسن الثاني يعينه سفيرا
ولد محمد أمزيان في نهاية عقد الثمانينات من القرن ما قبل الماضي بمنطقة بني نصار بضواحي مدينة الناظور، قضى سنوات بالديار الإسبانية طالبا بالمدرسة العسكرية قبل أن يتخرج منها ويصبح عقيدا في عهد الجنرال فرانكو الذي حكم إسبانيا بقبضة من حديد.

حسب رواية المؤرخة الإسبانية «روزا دي مادارياغا» في مؤلفها «المغاربة الذين جلبهم فرانكو»، من خلال شهادات أشخاص عايشوا فترة أمزيان، فإن القائد المغربي كان مقربا من حاكم إسبانيا وكانت له صلاحيات واسعة لتدبير جيوش أغلب عناصرها مسيحيون.

«بعد استقلال المغرب، طلب الملك محمد الخامس من محمد أمزيان الالتحاق بالمغرب لوضع خبرته العسكرية الكبيرة في خدمة المملكة، بغرض وضع اللبنات الأولى للجيش المغربي. استجاب أمزيان للنداء الملكي وعاد إلى الوطن ليلعب دورا رئيسيا في تأسيس وتنظيم مؤسسة الجيش إلى جانب الجنرال أوفقير وولي العهد مولاي الحسن، وتقلد منصب وزير الدفاع بالنيابة».

في سنة 1959 قاد بنفسه الجيش لإخماد ثورة الريف وقاتل بضراوة ضد أبناء جلدته الريفيين. كانت هذه المرة الثانية التي يقاتلهم فيها، المرة الأولى كانت باسم إسبانيا، وهذه المرة باسم المغرب.

تقول الرواية التي تداولتها صحف شمالية، إن الحسن الثاني كافأه على تفانيه في خدمة الوطن فمنحه أعلى رتبة عسكرية في البلاد وهي رتبة مارشال، ليكون أول وآخر مارشال في تاريخ الجيش المغربي.

انتقل للعمل الدبلوماسي في عهد الملك الحسن الثاني الذي عينه سفيرا للمغرب في إسبانيا سنة 1966، المنصب الذي شغله بقية عمره إلى حين وفاته سنة 1975 بمدريد، لتنطفئ آخر شمعة في حياة رجل مثير للجدل حيكت عنه قصص غريبة لم تثبت صحتها من زيفها، رجل عاصر الدكتاتور فرانكو وكان مساعده الأيمن ثم جاور السلطان محمد الخامس وحظي بثقته.

توفي المارشال أمزيان في إحدى مستشفيات مدريد، في فاتح ماي 1975، بعد وفاة الجنرال فرانكو بفترة قصيرة، وقيل إنه حزن كثيرا على وفاة الزعيم الإسباني، علما أن الحسن الثاني كان يعتزم الاعتماد عليه في مفاوضات اللحظات الأخيرة مع فرانكو، إلا أن المرض استبد به وحال دون حضوره حدث استرجاع الصحراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى