شوف تشوف

الرئيسيةتعليمسياسية

حول تفاقم حوادث العنف المدرسي والأطراف المتورطة فيه

انقلاب جذري في سلم القيم يتطلب أكبر من عمليات التحسيس

المصطفى مورادي :

تتفاقم ظواهر العنف المدرسي، بحيث أضحى جليا أن كل أطراف العملية التربوية متورطة بشكل أو بآخر. ففي مراكش تم، قبل أيام، القبض على أستاذ متورط في التحرش بتلميذة قاصر، وذلك بعد شكاية تقدمت بها أسرتها، وفي الأسبوع الماضي تعرض إداريو وأساتذة إعدادية بمدينة الجديدة لهجوم بساطور قام به أب تلميذ، بدعوى تعرض ابنه لمضايقات خارج المؤسسة، والأمر نفسه تم في إعدادية الجولان بالمحمدية في الأسبوع ذاته، وهذه المرة استهدف أب تلميذة إطارا تربويا بالعنف الجسدي واللفظي، وفي الأسبوع نفسه تعرض أستاذ لهجوم من طرف تلميذين بثانوية تأهيلية تابعة لمديرية البرنوصي بالدار البيضاء.

يأتي هذا بعد أقل من أسبوع من مقتل أستاذة بأرفود على يد تلميذ.

 

ظواهر مقلقة

تصاعدت ظاهرة العنف في المدارس المغربية بشكل مقلق في السنوات الأخيرة، حيث شهدت أخيرا حوادث صادمة أعادت فتح النقاش حول دور النظام التربوي في مواجهة هذه الظاهرة.

وقبل أيام أثارت حادثة مقتل أستاذة بإحدى مؤسسات التكوين المهني على يد أحد طلابها موجة غضب واسعة، ما دفع زملاءها بمختلف المستويات التعليمية على الصعيد الوطني إلى الاحتجاج والتنديد بهذا العمل، الذي وُصف بكونه «نقطة سوداء» في تاريخ المدرسة المغربية.

هذه الحوادث، وفق الخبراء، ليست حالات معزولة، بل تعكس أزمة عميقة تتجاوز جدران المدرسة لتطرح تساؤلات حول فعالية السياسات التعليمية في الحد من العنف، مع الإشارة إلى إحصائيات سابقة، مثل تقرير وزارة التربية الوطنية لموسم 2016- 2017، الذي سجل 86 حالة عنف داخل المدارس، وهو ما يطرح ضرورة مساءلة دور النظام التربوي، وما إن كان جزءا من الحل أم يُسهم في تفاقم المشكلة بسبب نواقصه.

ويؤكد الخبير التربوي ورئيس مؤسسة «أماكن» لجودة التربية والتعليم، عبد الناصر ناجي، أن العنف الصادر عن التلاميذ، سواء داخل المدرسة أو خارجها، «ينبغي أن يكون خطًا أحمر يجب التصدي له بحزم من خلال تعبئة الدولة والمجتمع لتأسيس قواعد تجعل هذا السلوك منبوذًا». ويرى ناجي أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب الغوص في أسبابها العميقة، التي تشمل أبعادًا اجتماعية، اقتصادية، ثقافية وسياسية.

ولفت ناجي إلى أن «انقلاب سلم القيم في المجتمع المغربي عامل رئيسي»، مشيرا إلى تراجع قيم الاحترام والانضباط والمسؤولية لصالح الاستهتار والحرية غير المنضبطة لأي قواعد. وأضاف الخبير التربوي ذاته أن المدرسة أصبحت عرضة لظواهر اجتماعية سلبية، مثل التحرش، التنمر وتعاطي المخدرات، نتيجة غياب حماية كافية لهذا الفضاء التربوي، مبرزا أن الترويج لقدوات منحرفة أخلاقيًا عبر وسائل الإعلام أو مؤسسات رسمية يُسهم في تمثل التلاميذ لثقافات دخيلة تُنتج عنفًا رمزيًا، لفظيًا أو جسديًا، يظهر في وسائط التواصل الاجتماعي، وفي الملاعب الرياضية والشوارع.

ودعا ناجي إلى تبني سياسات عمومية مندمجة تستهدف الأسرة لتعزيز دورها في التنشئة الاجتماعية السليمة، والإعلام للترويج لقيم مغربية أصيلة والمدرسة لاستعادة دورها التربوي من خلال فرض الانضباط واحترام الأطر التربوية، مشددا على ضرورة إعادة الاعتبار للمدرس من خلال تجريم الإهانات الموجهة إليه، وتطبيق القوانين التي تحمي الموظف العمومي، مشيرا إلى أن محاربة الهدر المدرسي تتطلب إعادة النظر في سياسة إرجاع التلاميذ المفصولين دون معالجة أسباب انحرافهم، إلى جانب تكوين المدرسين للتعامل مع الحالات الخاصة لضمان بيئة تعليمية خالية من العنف.

وخلص رئيس مؤسسة «أماكن» إلى أن ضعف مردودية النظام التربوي، الذي يتجلى في ارتفاع نسب التكرار ومغادرة 300 ألف تلميذ سنويًا للمدرسة، يُغذي شعور التلاميذ بالنقص مقارنة بأقرانهم، مما يُترجم إلى سلوكات عنيفة.

 

حلول أكبر من التحسيس

القصص المتعلقة بالعنف المدرسي لا تعد ولا تحصى لدى أولياء الأمور، ويحمل العديد من الأخصائيين الاجتماعيين في المدارس مئات الشكاوى التي تتكرر سنويًا، من حالات التنمر والعنف بين التلاميذ التي لم تعد تقتصر على معارك بالأيدي بينهم، بل تجاوزت ذلك إلى حد الترصد والعنف المسلح واندماج الفصول في مشكلات جماعية بسبب خلاف فردي بين الطلاب، وفي النهاية تحدث المعركة دون تمييز بين مدارس حكومية أو خاصة أو حتى دولية.

في دراسة أجراها مختبر بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية بالقنيطرة، أشار الباحثون المشاركون إلى أن ظاهرة العنف في المدارس تنبع من العنف الأسري في المنزل، سواء تعرض له الطفل مباشرة أو شاهده يحدث لأحد المقربين منه في بيئته الأسرية.

وتُعد «نظرية التعلم الاجتماعي» من أكثر النظريات شيوعًا في تفسير العنف المدرسي، حيث يتحول العنف إلى سلوك مكتسب يتعلمه الطفل داخل الأسرة. تفترض هذه النظرية أن الأفراد يتعلمون العنف بالطريقة نفسها التي يكتسبون بها أنماط السلوك الأخرى، وأن عملية التعلم هذه تبدأ من الأسرة. فبعض الآباء يشجعون أبناءهم على التصرف بعنف مع الآخرين في بعض المواقف ويحثونهم على ألا يكونوا ضحايا للعنف «لا تعد مضروبًا، بل تعال ضاربًا»، أو عندما يدرك الطفل أن الوسيلة الوحيدة التي يحل بها والده مشاكله مع الزوجة أو الجيران هي العنف.

وتتابع الدراسة أن الأسرة والمدرسة لهما دور كبير في مواجهة العنف داخل المدارس، دون ترك الحلبة للتلاميذ لوضع حلول لمشكلاتهم بأنفسهم. فالعنف ليس وليد فكرة التلميذ، بل هو نتاج ما يتعلمه داخل البيت والمدرسة، لذا أساس الحل يجب أن يكون لتلك المؤسسات أولا، خصوصا وأن مواقع التواصل الاجتماعي ألقت بظلالها على الظاهرة، فزادت معدلات التعنيف بين التلاميذ، كي يصلوا لسباقات «التريند»، حتى وإن اتفقوا عليها مسبقا، مضيفة أن الحل لا يكمن فقط في منع العنف، لكن في تنمية العقل وبناء المعرفة للطلاب بدلا من التركيز على تنمية العضلات وبناء الأجسام فقط.

نافذة:

بعض الآباء يشجعون أبناءهم على التصرف بعنف مع الآخرين ويحثونهم على ألا يكونوا ضحايا للعنف: «لا تعد مضروبًا، بل عُد ضاربًا»

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى