شوف تشوف

الرأي

رأس بنكيران

يقول أدونيس في قصيدته «كل شيء ينهض احتفاء باللاشيء»:
«بلى، تمرض الكلمات هي أيضا.
وبعضها تصير عمياء، صماء، بكماء».
هذا هو حال الكلمات حين تأتي على لسان بنكيران في مهرجاناته الخطابية التي تقابله بالرحيل، ففي أغلب التجمعات راهن بنكيران على ما قاله بتازة: إن أربع سنوات قضاها في الكلام، ويكفيه أن يشاهده الناس ويشاهدوه.. الواضح أنه يعترف حقيقة بعدم قيامه بأي شيء لصالح الشعب غير الكلام، حتى صارت الكلمات عمياء وصماء ومريضة على لسانه، تعلن ثورتها عليه بمجرد ما يتلفظ بها.. فتصير اعترافا بفشله الذريع أمام الجميع ليسجلها التاريخ، ولتكون عبرة.
ومن الكلمات التي عرَّت أسباب تأزم المشهد السياسي بالمغرب، هو قوله في أحد التجمعات ودون أي حرج، إنه إزاء المشاكل التي يعانيها المغرب ومنذ توليه رئاسة الحكومة، «فكرت مع رأسي»، و«قلت مع راسي» و«شفت مع راسي»… فرأس بنكيران- حسب هذه التصريحات- هو الحكومة الحقيقية والتي يصفها هو نفسه بالدولة العميقة، وكل من يتدخل بين بنكيران ورأسه فهو تمساح أو عفريت. وفعلا، من سيعرف في ما يفكر به بنكيران غير العفاريت إذا كانت القرارات تصدر عن اجتماعات خاصة و سرية بينه ورأسه فقط، لا دخل فيها لأغلبيته ولا للمعارضة.
غير أن أكثر الكلمات التي أثارت انتباهي، هي قوله إن المغرب لا يعاني من الفقر، لأنه شيء عادي ومألوف عند المغاربة.. وإنه يعاني من الظلم. وهذه جملة غير مقبولة منطقيا، فالفقر والتفقير شكل من أشكال الظلم التي كرسها بنكيران طيلة فترة توليه رئاسة الحكومة، وهذا ما يدل على مشكل حقيقي في «رأس» بنكيران، والذي يجب أن يعالج منه في أقرب الأوقات دون تأجيل أو تأخير، فالروابط المنطقية بين الأسباب والنتائج منعدمة، ما يعني استحالة حل أي مشكل يعانيه المغاربة، بل الأكثر من ذلك أن تصريحه يتعارض مع شعار التغيير الذي رفعه. ألن تمرض الكلمات وتصاب بجلطة بسبب تقلبات بنكيران؟
الظاهر أن بنكيران لا يقدر نفسه أو «رأسه» الذي يقرر معه، لأنه نموذج لصورة السياسي كما أوردها كارلوس فوينتس في روايته «كرسي الرئاسة»: «لكي تكون سياسيا يجب أن تكون منافقا، ولكي تمضي قدما، يصبح كل شيء مقبولا. يجب ألا تكون كاذبا ومخادعا فقط، بل ماكرا أيضا، فكل سياسي يصعد إلى الأعلى يجر وراءه هياكل عظمية». ولذلك لن يقيم أي اعتبار لكلماته.
غير أننا كمغاربة نريد من السياسي أن يفهم مجال السياسة، كما جاء بها مريد البرغوثي: «السياسة هي شكل العائلة على مائدة الإفطار، من حضر حول المائدة ومن الغائب ولماذا غاب… هل تملك ثمن إفطارك مثلا؟.. أي غفران تتدرب على منحه اليوم؟ وأي عتاب تتمنى محوه…».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى