شوف تشوف

سري للغاية

رفض وضع سلاح جيش التحرير فمات شهيدا في معركة السمارة

حسن البصري

في الدار البيضاء والخميسات والسمارة والعيون وتارودانت ومدن أخرى، تحمل شوارع وأزقة ومؤسسات تعليمية وساحات عمومية اسم الشهيد الكولونيل إدريس الحارثي، الرجل الذي قدم حياته قربانا للوطن في أم المعارك بالسمارة.
ولد إدريس الحارثي بناصر بمدينة الخميسات عام 1934، درس في المسيد قبل أن ينتقل إلى مدرسة الأطلس بالخميسات، حيث تابع تعليمه النظامي، ومنها إلى مدارس محمد الخامس بالرباط، قبل أن يدخل مجال التعليم العسكري ويلتحق بإحدى المدارس في القاهرة.
انضم إدريس مبكرا لفيالق جيش التحرير، في زمن كان فيه العديد من سكان زمور يفضلون إلحاق أبنائهم بالجيش الفرنسي، بينما شكل جيش التحرير النواة الأولى لقبائل زمور الباسلة مكونة من القادة: محمد بن الميلودي، جناح بنعشير، إدريس بن بوبكر، إدريس الحارثي وغيرهم ممن التحقوا في فترة لاحقة.
حين نال المغرب استقلاله طلب من جيش التحرير الانصهار ضمن أسلاك القوات المسلحة الملكية. تقول الروايات التاريخية إن اجتماعا عقد في منزل المحجوبي أحرضان، الذي كان يشغل حينها منصب عامل على أحواز الرباط، وهو الاجتماع الذي حضره كذلك ولي العهد مولاي الحسن بالإضافة إلى قادة جيش التحرير.
قال ولي العهد لقادة جيش التحرير إن مهمة جيش التحرير انتهت، وبلغهم رضاه. تحمس الحاضرون لفكرة الإدماج إلا أن فئة منهم رفضت وأكدت أن المهمة لم تنته بعد، وكان إدريس الحارثي من بين الرافضين الداعين إلى استمرار جيش التحرير في مهمته لتحرير جميع مناطق المغرب، لكن بعد ذلك سلم جيش التحرير السلاح واندمج جزء منه في الجيش الملكي وبعضهم اندمج في الحياة العامة وصرف النظر عن الثكنات.
رفض أزيد من 180 عسكريا فكرة حل جيش التحرير وغالبيتهم من زمور، وتقرر أن يستمر هذا الجيش في مهمته من أجل تحرير الصحراء، ووجه ملتمسا في الموضوع إلى محمد الخامس، يتضمن الرغبة في متابعة النضال العسكري في المناطق الجنوبية، الأمر الذي استجاب له الملك. وتم إنشاء المركز الأول في إسني، ثم المركز الثاني في بوزيكارن، والمركز الرئيسي في كلميم في سنة 1956. وفي هذه السنة تكون جيش التحرير في كلميم وأصبح تحت قيادة بنحمو المسفيوي وبحضور فاعل لإدريس الحارثي.
وبعد أن انتهت مهام جيش التحرير التحق إدريس بالجيش النظامي المغربي، وخاض العديد من المعارك التي أبلى فيها البلاء الحسن خاصة حرب الرمال ومعارك خارجية، قبل أن يعين رئيسا لكتيبة عسكرية بالسمارة قائدا على النقطة الأكثر تقدما في الصحراء.
عرف عنه إصراره على أن يكون في الخطوط الأمامية وسجل اسمه بمداد الفخر في معركة السمارة يوم 6 أكتوبر 1979، حيث ظل يطارد فلول البوليساريو في الصحراء، بعدما فوجئت المدينة بهجوم كثيف قوامه حوالي 5000 مرتزق يمتطون 800 سيارة، بتعزيزات ضخمة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة وبالمدافع والقاذفات والصواريخ مزدوجة الفوهات المسلمة من الجيشين الجزائري والليبي.
أجمعت التقارير الإعلامية الفرنسية التي واكبت الموقعة، على قساوتها “كانت حامية الوطيس، ودامية من خلال الالتحام الجسدي، وتدخلت القوات الجوية الملكية في المعركة، وتوالت غارات طائرات “الميراج” النفاث مسددة إلى صفوف العدو الضربات القاسية، وكانت شجاعة ربابنتها تتحدى صواريخ “سام” وكانت رغبتهم في إصابة الأهداف بادية جلية”.
لكن الكولونيل إدريس الحارثي لم يقنع بنصف انتصار، بل أصر على المطاردة حيث اختار المرتزقة ظلام الليل لتنظيم انسحابهم، ورغم تخلص “السمارة” من براثن العدو، إلا أن الحارثي بدأ المطاردة طوال الليل ما أدى إلى استشهاده وسقط في ساحة الشرف من جانبه 121 ما بين شهيد وجريح.
حمل جثمان إدريس الحارثي إلى الخميسات ليوارى الثرى في تربة قبائل زمور، في موكب جنائزي غير مسبوق، حيث بكاه كبار قادة الجيش المغربي خاصة رفيق دربه الغجدامي. ورغم مرور عقود على هذه الملحمة ما زالت معركة السمارة، تدرس في مدارس التكوين العسكري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى