
ارتبطت سلطة القائد في المخيلة الشعبية المغربية، بقيادة المقاطعة بالمجال الحضري أو القيادة بالمجال القروي، والعودة إليه في كل تفاصيل أمور الشأن العام المحلي، والخلافات الاجتماعية والعائلية والشهادات الإدارية، وملفات التعمير وحل المشاكل اليومية للمواطن وحفظ السلم الاجتماعي، لكن هذه الصورة الإيجابية عبر التاريخ بالمملكة المغربية تسعى جهات لخدشها بتعميم أحكام القيمة، وتمييع عمل القياد والتحريض الإلكتروني ضدهم وإرهابهم بالتشهير والابتزاز لخدمة أجندات خفية.
إن تواجد القائد في الحلقة الأولى للاحتكاك بالمواطن وعلاقته بالسلطة أثناء الاحتجاجات وتدبير الأزمات وروتين الإدارة العمومية، يفرض عليه التأقلم مع التحولات المجتمعية المتسارعة، والتكوين والتدريب الجيد والفهم العميق للميدان وإكراهاته ودراسة أعطاب المجتمع، وذلك للنجاح في التطبيق السليم للقانون وحماية هيبة الدولة.
هناك جهات تسعى بطرق ملتوية للتطبيع مع الاعتداءات والعنف اللفظي والتشهير وجرائم أخرى يتابعها رواد المواقع الاجتماعية ضد رجال السلطة، وذلك حتى يتم زرع نوع من الخوف في نفوس القياد وإرباكهم في التدخلات لإعمال القانون، ومن ثم كسر الحلقة الأولى في التواصل والاحتكاك بالمواطن، والمرور بعدها لدرجة أخرى هي مطالبة العامل بالقيام بمهام القائد بعدما يصبح منصب الأخير صوريا فقط.
لسنا أمام معادلة معقدة أو حلبة صراع بجمهور منقسم بين من يشجع انتصار القائد على المواطن بخرق القانون والشطط في استعمال السلطة، ومن يشجع انتصار المواطن على القائد بالاعتداء والتشهير والعنف اللفظي الذي يتطور إلى عنف مادي مع الوقت، بل الأمر يحتاج إلى الحكمة ورفض كافة مظاهر العنف مهما كانت الجهة التي يصدر عنها، والتطبيق السليم للقانون والوقوف أمام موجة التمييع وتوفير مناخ انتعاش فيروس الفساد.
تجب الصرامة في تتبع ملفات الاعتداء ضد رجال السلطة سواء كان الأمر يتعلق بالعنف اللفظي أو الجسدي، بحيث لا يمكن القبول إطلاقا بتحويل الدور الهام لرجال السلطة إلى مادة دسمة تُناقش في مجامع التنكيت بالمقاهي، والتمييع بالتعليقات الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعي والتساهل مع استهدافهم بالتشهير والابتزاز والسب والقذف لأن حساسية المنصب مرتبطة بالمؤسسة وحمولتها في أذهان المواطن وتاريخها ومساهمتها في الأمن العام والسير العادي للحياة، وليس الأشخاص في حد ذاتهم الذين يتناوبون على المنصب وهم إلى زوال في كل الأحوال بينما تستمر المؤسسات بتأقلمها مع كافة التحولات السياسية والمجتمعية.
لقد تابع الكل كيف تفاجأت دول العالم بتدبير المملكة لجائحة كوفيد 19، وهنا لا يمكن القفز على الدور المحوري لمنصب القائد في تنزيل توجيهات وزارة الداخلية التي تستمد قراراتها بدورها من التعليمات الملكية السامية، لذلك فإن تمييع دور المؤسسات ليس لعبة في يد رواد المواقع الاجتماعية، وخدش صورة القائد لا يخدم الصالح العام، والتساهل مع كافة أشكال الاعتداء عليه لا يدخل إطلاقا في خانة الانفتاح الحقوقي أو المفهوم الجديد للسلطة.
وحسنا فعلت وزارة الداخلية عندما أحدثت مديرية مركزية على رأسها عامل يقوم بزيارات ميدانية لكافة العمالات بالمغرب، للعمل رفقة طاقم محترف على تقييم عمل رجال السلطة باعتماد تقنيات حديثة وجس النبض النفسي ومحاربة الفساد واتخاذ القرارات المناسبة بالترقية أو القهقرة أو الإنذار والتوبيخ وحتى العزل من المنصب في الحالات التي تتطلب ذلك، بعيدا عن التقييم الفيسبوكي الانتقائي الذي تقوم به صفحات فيسبوكية مشبوهة يقف خلفها محترفو التشهير والابتزاز ومدعو النفوذ والإفلات من العقاب وخدمة أجندات خفية.