شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

سفراء لا يعرفهم أحد

حسن البصري

تعاقد الاتحاد الصومالي لكرة القدم مع المدرب المغربي رشيد لوستيك، وعينه مدربا للمنتخب الأول ومشرفا على تدريب المنتخب الأولمبي، ودعاه إلى تقديم ساعات إضافية للمدربين. وحين حضر رشيد مباراة برسم كأس الجنرال داوود، فوجئ بأعداد الجماهير الصومالية التي حلت بملعب العاصمة مقديشو، وحجم الترحيب الذي لازم المدرب المغربي سليل منتخب أخرج الصوماليين من بيوتهم خلال مونديال قطر، فأنساهم غضبهم من وصفات صندوق النقد الدولي وهشاشة الحياة.

صفق الجمهور طويلا للمدرب المغربي، ورحبوا بالتجربة المغربية، أكثر من ترحابهم بقوافل المساعدات الغذائية وزيارات هيئات أطباء بلا حدود. حينها تيقن رشيد أنه أكثر من مجرد مدرب، بل هو سفير معتمد في بلد ظل سكانه يعيشون لسنوات تحت لظى الحروب الأهلية. وحدها الرياضة تمنح الشعب فسحة للتخلص من رائحة البارود.

حين حل المدرب المغربي بالعاصمة الصومالية مقديشو، التمس منه المسؤولون عن الكرة في هذا البلد، علاج أورام الكرة، والقطع مع مصطلح «الصوملة» الذي أضحى استعارة مجازية تسللت إلى المشهد الكروي لتدل على فشل البلد الغارق في بحر الاضطرابات والفوضى.

ليس رشيد لوستيك هو المدرب المغربي الوحيد الذي اختار ركوب صهوة الأهوال، واختراق حاجز الخوف والتوغل إلى العمق الإفريقي، وهو يتأبط وصفة التجربة المغربية، فهناك عشرات المدربين الذين اختاروا الحل الإفريقي، حين تبين لهم أن كثيرا من رؤساء الفرق المغربية يؤمنون بالقول المأثور: «مطرب الحي لا يطرب».

السفر إلى العمق الإفريقي لم يعد قطعة من العذاب، بل فعلا دبلوماسيا بدون أوراق اعتماد أو مقر سفارة، كما لم يعد التدريب في دول وراء الصحراء الكبرى مغامرة غير محسوبة المخاطر، لذا لم تتردد المدربة المغربية لمياء بومهدي حين تلقت عرضا لتدريب نادي «تي بي مازيمبي» الرهيب، واختارت الاستقرار في مدينة لبومباشي، معقل المعارضة في الكونغو الديمقراطية.

في هذه المدينة التي زرتها مرتين، كان حارس بوابة الفندق ينصحنا بعدم التجول على انفراد، حتى لا يصطادنا المعارضون ويطالبون الفريق بفدية، وكان مقر إقامة الوداد قد شهد، في الأسبوع نفسه، تعرض «كانيش» سائحة إيطالية للاختطاف في عتمة الليل، وطالبت العصابة بفدية.

لكن لمياء خاضت المغامرة، وأحرزت لقب بطولة الكونغو النسوية للموسم الماضي رفقة مازيمبي، بعد ثلاثة أشهر من الارتباط، كانت كافية لحقن اللاعبات بمحلول مغربي، بل إن الكونغوليات تعلمن بموازاة مع الكرة فن الزغاريد، وعند كل هدف يطلقن زغاريد الفرح، إذا جاد الله بالألقاب جادت لمياء.

في السودان كان المدرب بادو الزاكي يقطن بالقرب من السفارة، وشكل إلى جانب سفير المغرب في الخرطوم، ثنائيا دبلوماسيا في فترة عصيبة من بلد يعيش «ديربي» الرصاص بين غريمين عسكريين تقليديين.

في بلد الطيب صالح، كانت رحلة المدرب المغربي خالد هيدان إلى الشمال، هناك فاز بجائزة أفضل مدرب في السودان، حين كان مشرفا على فريق الهلال الأبيض، وقاده باقتدار في الأيام السوداء.

كثير من سفرائنا يمارسون دبلوماسية الكرة في صمت، أحيانا وسط الأهوال والأدغال، يبتلعون مرارة الاغتراب وعيونهم مصوبة نحو نشرات الأخبار، ومع كل خبر عاجل يتحسسون رؤوسهم ويبحثون عن جوازات سفرهم.

قضى المدرب رشيد الغفلاوي أزيد من عقد ونصف العقد من الزمن بين النيجر ومالي وغينيا والكونغو الديمقراطية، ونجا بأعجوبة من غارة فصيل «بوكو حرام»، وعاش نكبات تستحق أن تتحول إلى سيناريو فيلم للرعب. كما أصبح محمد عادل الراضي من قادة فريق الجيش الرواندي، ناهيك بكريم بنشريفة ولحسن السنيني وحمادي حميدوش وعبد الغني الناصري وسفراء آخرين يرددون: «لكم دبلوماسيتكم ولنا دبلوماسيتنا».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى