شوف تشوف

الرئيسية

صدقة رياضية جارية

حسن البصري
أول أمس تمت مراسيم دفن المشجع الكهل، شهيد ملعب «تزيرت» الذي جرفته السيول، بعد أيام من البحث، لتصل حصيلة الضحايا إلى ثمانية متيمين بالكرة، قدرهم أن يموتوا وهم يتابعون مباراة نهائية لدوري محلي في رياضة كرة القدم.
دفن الضحايا في مقابر دواويرهم، وراح كل إلى غايته، بينما ظل شباب المنطقة وأمهات الراحلين ينتظرون وعودا بفتح تحقيق، من «أجل تحديد المسؤوليات»، والحال أن غضبة وادي أغبالو ما كانت لتكبدنا خسائر في الأرواح والعتاد، لولا الفكر الثاقب لمن قرر اللعب في مجرى نهر تنتابه بين الفينة والأخرى نوبة هيجان.
لا تنتظروا تعيين لجنة لتقصي الحقائق قد تبتلع في تحركاتها ما ابتلعته السيول، وتلتهم من التعويضات المالية للقيام بهذه المهمة أكثر مما يكلفه ترميم مضاعفات الكارثة. تذكروا يا معشر الإنس، المياه الغامرة التي حولت ملعب الأمير مولاي عبد الله إلى مستطيل عائم، والسيول التي اجتاحت ملعب البشير بالمحمدية، وملاعب أخرى قيل إن التحقيق قد فتح ولم يغلق.
وحده اللاعب الدولي نور الدين أمرابط، بكى بحرقة لهذا الحدث وقرر التبرع بمبلغ مالي كبير لفائدة أهالي ضحايا ملعب الموت، كما وعد ببناء ملعب بمواصفات حقيقية حتى يتسنى لشباب المنطقة ممارسة الرياضة في ظروف رياضية ملائمة، إذا وجدت لهذا المشروع أرض في مجرى المنطق. ووعد مبارك بوصوفة ببناء فضاء رياضي إذا توفرت شروطه، في ما فضل لاعبون آخرون التعاطف بتدوينة أو تغريدة أو بما ملكت أيديهم من نرجيلة وذلك أضعف الإيمان.
وقفت هذا الأسبوع أمام ملعب بحي سيدي عثمان في طور البناء، أمعنت النظر في اللوحة المنتصبة في شارع الجولان، اكتشفت أن المقاولة التي تنجز المشروع من مدينة مراكش، ومكتب الخبرة من تطوان، أما مكتب مراقبة الأشغال فيوجد عنوانه في سيدي بنور، ولكم أن تتصوروا حجم هذه الحكامة المبعثرة التي جعلت ثلاث جهات تتعبأ من أجل بناء ملعب للقرب، هذه هي الجهوية المتأخرة.
يقول الراسخون في العلم إن فاجعة ملعب «تزيرت» ترجع إلى فشل النظام الذي أحدثته كتابة الدولة المكلفة بالماء حول اليقظة الرصدية، والذي كان من أهدافه التحذير من الظواهر الجوية والبحرية القصوى كالأمطار الغزيرة والرياح القوية والتساقطات الثلجية، وموجات الحر والبرد والسيول وهلم شرا.
في كل العمالات لجان إقليمية تسمى تجاوزا «لجان الطوارئ»، ومع مرور الأيام تحول دورها من الإغاثة الاستباقية، إلى دفن الموتى وتنظيم حفلات التأبين وتحويل الخيريات إلى ملاجئ لإيواء ضحايا الفواجع الطبيعية.
أحد اللاعبين المحترفين في الدوري الإيطالي، كتب في «إنستغرام» دعوة لاستثمار السيول وغضب الأنهار، واستثمارها سياحيا، خاصة وأن كثيرا من المناطق في الحوز وسوس باتت «واجهة بحرية»، وبات سكانها ينافسون قاطني فنيسيا الإيطالية من خلال اعتمادهم على القوارب في التنقل في شوارعهم التي غمرتها الأنهار. أحد المسؤولين قال إن السيول ليست كوارث، وإن هذه المستنقعات التي تخلفها فيها رزق قد ساقه الله إليهم ليعوضهم عن العطش.
ليس نهائي كأس «عصبة الأبطال» في دوار بالمغرب العميق، أهم من أرواح البشر، وليس كأس لا تتجاوز قيمتها المالية ثمن تذكرة العبور في الطريق السيار، هي المبتغى، بقدر ما تحتاج المنطقة إلى فضاء للتطبيب والتعليم وفرص للشغل.
أكبر إنجاز حققته الدول المتخلفة هو قدرتها على إقناع شعوبها بأن التأهل إلى نهائي كأس إفريقيا إنجاز كبير، وأن انهيار التعليم والصحة أمر عادي، لهذا يخرج الناس إلى الشارع عقب كل انتصار دون الحاجة إلى مقدم يدعوهم للاحتفال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى