
يونس جنوحي
ليس كل الذين قطعوا إلى سبتة سباحة، كانوا يخططون للهجرة السرية. هناك من لجؤوا إلى تلك الطريقة لكي يصلوا الرحم مع أسرهم وعائلاتهم في المدينة المحتلة بمناسبة عيد الفطر، بعد أن مضت مدة تجاوزت السنة ونصف لم يروا خلالها أفراد عائلاتهم منذ إغلاق الحدود بين معبر سبتة ومدينة الفنيدق.
ونفس الأمر وقع في عز أزمة كورونا عندما قفزت سيدة من المحتجزات في مليلية خلف السياج وسبحت بجلبابها المغربي عدة أمتار إلى الشاطئ لكي تلتحق بأسرتها الصغيرة بعد أن تركت أطفالها الصغار لما يزيد عن ستة أشهر في انتظار أن يفتح الإسبان المعابر الحديدية لكي تعود إلى أسرتها. وهو ما لم يقع. وبعد انقضاء أسابيع من الانتظار تحولت إلى أشهر، دون أن تظهر أي مظاهر للانفراج، لجأت إلى تلك الطريقة لكي تُنهي الكابوس وتعود إلى بيتها.
ماذا كانت تفعل في مليلية؟ هذا السؤال طرحته الصحافة الإسبانية في نونبر الماضي. وهو سؤال استنكاري فقط، يعرفون جوابه جيدا. فقد كانت تلك السيدة وعشرات الآلاف غيرها، يذهبون يوميا إلى مليلية لجلب السلع والمواد الأساسية لإعادة بيعها في إطار التهريب المعيشي. ومنذ صدور قرار السلطات المغربية بإغلاق تلك المعابر، والاقتصاد في مدن سبتة ومليلية، والمناطق القريبة منها، في حالة ركود تام، زادت ظروف الحجر الصحي من حدّته.
والآن، بعد النزوح الكبير إلى سبتة المحتلة من شاطئ الفنيدق ووصول قاصرين إلى هناك، سُلط الضوء في أوربا على ملف مغاربة سبتة الذين لديهم عائلات هناك تقطن منذ قرون في المدينة قبل أن يحتلها الإسبان ويعتبروها مقاطعة إسبانية.
إذ إن بعض الأئمة الذين يقطنون في مدن الفنيدق والمضيق، منهم من اشتغلوا في سبتة لإلقاء خطبة صلاة الجمعة. إذ كانوا يمرون عبر المعابر الحديدية صباحا بجلابيبهم ويعودون منها مساء إلى منازلهم بعد أن يكونوا قد أدوا دورهم في بعض المساجد التي لم يكن بها أئمة مؤهلون لإلقاء خطبة الجمعة.
وهذا الموضوع، بعد العمليات التي عرفتها أوربا، خصوصا بعد انفجار باريس وحادثة الدهس في ألمانيا، أصبحت السلطات الإسبانية تضيق على أئمة المساجد في كل من سبتة ومليلية (هذه الأخيرة كان يأتي إليها خطباء من الناظور والنواحي) في محاولة لإبعاد خطباء المساجد المغاربة التابعين لوزارة الأوقاف المغربية عن إلقاء الدروس في مساجد المدينتين المحتلتين. علما أن التطرف الذي مارسه بعض الخطباء في أوربا، كان مصدره أشخاص تعلم المخابرات الأوربية جيدا علاقاتهم بالأنظمة المتطرفة، وتمنحهم إقامات وجوازات سفر وتصرف لهم مساعدات اجتماعية رغم أنشطتهم المتطرفة، وقلما حكمت على بعضهم بمغادرة التراب الأوربي رغم اعترافهم بأنهم يحملون خطابا تكفيريا يؤثرون به على أبناء الجاليات المسلمة في أوربا، خصوصا في بريطانيا.
منذ أول أمس، وأخبار إعادة القاصرين الذين عبروا إلى سبتة إلى السلطات المغربية، تسيطر على عناوين الصحافة الإسبانية..، لأن موضوع القاصرين تتعامل معه المعارضة في إسبانيا بكثير من الحساسية، خصوصا بعد اتهامات لشرطة الحدود في سبتة بضرب الأطفال وتعنيفهم بعد إلقاء القبض عليهم في شوارع سبتة ومليلية.
يحاول بعض الصحافيين الإسبان تصوير ما وقع على أنه انفلات في المغرب، وأن السلطات المغربية تحاول تصدير أزمتها صوب إسبانيا بسبب التوتر الأخير في العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بسبب استضافة مدريد للانفصالي إبراهيم غالي على طريقة زعماء المافيا وأباطرة المخدرات الذين لا علاقة لهم بالنضال.
لكن الحقيقة أن ما وقع يبقى صرخة لسكان المناطق القريبة من سبتة ومليلية، وعلى رأسهم سكان الناظور والفنيدق. فالأوضاع في المدينتين تعرف ركودا كبيرا منذ تشديد الإسبان لإجراءات العبور.
لماذا يسيطر الإسبان على مدينة مثل سبتة، كل سكانها القدامى مغاربة ورثوا بها منازل تعود إلى قرون خلت كانت خلالها إسبانيا تعاني من الدكتاتورية والحروب الأهلية؟ ماذا كانوا ينتظرون من عائلات كانت تعيش على عائدات التجارة المعيشية في الفنيدق، ومنهم من لم يلتق بأفراد أسرته منذ أزيد من سنة بسبب قرارات الإغلاق؟
المنطق يقتضي أن تكون حدود إسبانيا وراء البحر، حيث توجد أوربا عمليا، وليس على بعد سياج واحد من «كاستياخو» أو شجرتين من شاطئ «بليونش» الساحر.



