قصة مثيرة وراء تأسيس آسفي وهذه حكاية جمعية حرفيي موگادور
يونس جنوحي:
موگادور معروفة بخشبها المطعم بالعاج والصدف. تجولتُ داخل أوراش العمل في «جمعية تعاونية الحرفيين صناع خشب موگادور». تأسست الجمعية لأن معايير العمل كانت تتدهور. واليوم أغلب الصُناع المحليين مُنخرطون في هذه الجمعية، وجدتهم ساخطين لأن أعمالا رخيصة الثمن، مقلدة لمُنتجاتهم الأصلية، معروضة للبيع في الأسواق. لكن الأمر الأكثر أهمية، والذي يبقى إيجابيا في الحقيقة، أن هؤلاء الرجال يشتغلون بجد على خشب العرعار ويحولونه إلى صناديق أو إلى أثاث، ثم بصبر لا مُتناه يتم ترصيع هذه التصاميم التقليدية بالأصداف.
الرجال الآخرون يصطادون سمك السردين اللذيذ، وهي عادة أقل شرا من عادة أسلافهم الذين كانوا قراصنة وسمعتهم مُرعبة.
كان بحارة آسفي هكذا أيضا، وهي الآن مدينة تتصدر قطاع إنتاج السردين. لقد أخبروني بأرقام كمية السمك التي يصطادونها سنويا، لكني أخشى أن أورد الأرقام وأقتبسها، هنا، حتى لا أكون مخطئا أو مُقللا من قيمة إنتاجهم.
قصة أصل المدينة أكثر إثارة للاهتمام. هناك قلة فقط من المدن المغربية بدون تاريخ درامي. مدينة آسفي أسسها الكنعانيون المطرودون من فلسطين بسبب الغزو العِبري! وبعد فترات جاء فيها القرطاجيون والرومان، استقبلت المدينة أفواجا من اللاجئين اليهود الفارين من المذابح في منطقة «سيرينيكا»، وجعلوا السكان المحليين، وكانوا وقتها خليطا عِرقيا، يعتنقون اليهودية. وكانت النتيجة جيدة إلى درجة أنهم قاوموا لفترة طويلة تسلل الإسلام.
عانت المدينة من الضعف الذي ساد في المغرب، والصراع الداخلي الذي جعل الاحتلال البرتغالي سهلا. لاحقا كانت رغبة السلطان تدمير الميناء ونقل تجارته إلى «موكَادور»، وفي ظل الحماية الفرنسية تعافت آسفي. وبغض النظر عن السردين، فإن القطاع الرئيسي فيها هو الخزف، عدد من الحرفيين هاجروا من فاس وحيّهم، الآن، مكتظ فعلا بالسكان.
اخترت العبور عبر طريق الجرف شمال آسفي. كان مشهد البحر، الذي تختلط فيه الزرقة مع الخضرة، انعكاسا لألوان التلال على الماء، يزيد من الشعور بالعطش تحت أشعة الشمس، على الرغم من أن الوديان صارت مغطاة بالزهور البرية. وحيثما جُمعت المحاصيل، يكون الحرث على قدم وساق.
إذا كانت الرياح الممطرة جيدة، يمكن جمع محصول إضافي من العلف.
المحراث الخشبي البدائي المُستعمل تجره كل أنواع الحيوانات: أزواج من المهور أو البغال، أو الجِمال والحمير، أو تشكيلة من هذه الحيوانات، لكن التشكيلة الأكثر تناقضا كانت تتألف من جمل وحمار.
الحمار صديق الرجل الفقير في المغرب، لا أستطيع القول إن الحمار لا يتلقى معاملة جيدة، لكنه يشتغل بكد.
كانت عملية حصاد القش في تقدم. ولأكثر من مرة، رأيتُ كومة قش صغيرة تترنح قادمة في اتجاهي، ومن مسافة قريبة فقط، أمكنني رؤية أربع أرجل صغيرة تحتها، ثم ظهر وجه طويل، يُعاني من صعوبة العمل وتُخفي خصلات شعره المتدلية ملامحَه.
الحمير الأخرى تدور حول الآبار البدائية، من النوع الموجود في المناطق المتوسطية، في خطوات لا مُتناهية، وترفع سلسلة متتالية من دلاء الماء المخصصة للري المحلي. في بعض الأحيان يقوم جَمل بهذه المهمة. زفراته وصوت أنفاسه المنبعث يعطيان إحساسا بأن هذا العمل الوضيع والآلي كان فعلا يُقل من كرامته.