شوف تشوف

الرأيالرئيسية

قيصرية غزة تدين العالم

 

 

عمان: خالد فتحي

 

أخبرنا زميلنا الفلسطيني القادم من رام الله، والمشارك في فعالية عربية طبية بالعاصمة الأردنية عمان، أن عمليات قيصرية لم تكن لتخطر بحسبان أخصب الأطباء خيالا، قد ظهرت الآن بغزة، حيث صارت تتم بدون تخدير الأم الحامل، وأنهم بالقطاع المقاوم أيضا بسلاح الولادة، يقومون الآن بدهن مرهم أو سكب سائل المخدر فوق الجلد، ثم يعملون المبضع، لاستخراج الجنين. وأضاف أن غزة عادت بقرون إلى الوراء، وأن ما حاق بها تضيق به نعوت البربرية والهمجية والوحشية، وأنه يطيح بكل سردية الغرب عن حقوق المرأة والطفل، وأنهم بفلسطين بحثوا عن خلاص، وقرروا أن يروا مأساتهم قدرا مكتوبا.. بلاء وامتحانا إلهيا… ولذلك ما عادوا يعتبرون العالم ساكتا عن مأساتهم، بل غير موجود بالنسبة إليهم.

عيناه الحزينتان، وهو يروي، لم تركزا على عيوننا، بل كانتا تنظران إلى الأفق. لكم أشعرنا بالخجل وهو يتحاشاها، فقد فهمنا أنه يوفر علينا حرجنا، وأنه قد قرر، وبإباء، أن يجنبنا ألم وحر العتاب على سلوك الخذلان وإدمان الهزيمة.

حكى ثم حكى، كيف يعيش الفلسطينيون جحيمهم بغزة والضفة الغربية، وكيف أنه حول كل قرية فلسطينية، تتربص مستوطنات تتحين الوقت والدوائر بها، وتنتهز لامبالاة الضمير العالمي، وسكوت العرب، كي تنهشها، تلتهمها، وتحيلها أثرا بعد عين.

قال إنه ترك وراءه قرويين فلسطينيين لا يكادون يجنون زيتونهم حتى تعاجلهم الرصاصات الإسرائيلية، وتحدث كيف أن الاحتلال يمسك بالهواء والماء، وأنه يبيعهم ماءهم الذي يوجد في جوف الأرض التي تقوم فوقها السلطة الفلسطينية نفسها، وكيف أنه يقطع عليهم السبيل، إذ لا يكفيه تقطيع الأوصال بين غزة والضفة، فيغرز سكين الفصل داخلهما، ففي مدينة الخليل مثلا… مدينة سيدنا إبراهيم عليه السلام… تعمد سلطات الاحتلال إلى سد المداخل الخمسة للمدينة، ليصبح حوالي مليون فلسطيني مضطرين إلى العبور من منفذ واحد. ومن يتجرأ، ويتمرد، أو يغضب، فمصيره القتل.

كنا خلال الحديث نحس ذواتنا نهبا للضعف والهوان وقلة الحيلة. رأينا أنفسنا في حديثه عارين أمام المرآة، شعرنا جميعا بلا جدوى الكلام. وتفاهة أن نختار المواساة، فاللغة ما صارت إلا ملاذا لنا عن الهزيمة في الميدان… كل الميادين: عسكرية كانت، أو علمية، أو اقتصادية.. نصرا وهميا.. إذ لا نتبارى إلا في تنميق العبارات، وتدجيجها بكلمات التنديد والشجب والاستنكار والتغني بمقاومة الغزاويين كي يصمدوا لوحدهم. لحد الآن، استعدنا عكاظ ولم نستعد غزة، وفصاحتنا دون بسالتنا. نصرنا باللسان دون الأيدي، ومنعنا المنكر بالألسن. أليس يفوق قليلا أضعف الإيمان؟

زاد الصديق الفلسطيني بأن إسرائيل لا تقاتل وإنما تنتقم، وأنها لا تتعدى الحدود، فهي لا تراها البتة. هي فوق المحاسبة، إذ العالم بالنسبة إليها مجرد أغيار لا ذرة حقوق إنسان لهم.

هي تقصف المستشفيات لتهجير سكان غزة قسرا إلى مصر عن طريق وأد مقومات الحياة. وإن الدور سيأتي على الضفة لدفع سكانها قسرا أيضا إلى الأردن دون ضفة. فإسرائيل كما وضح لا تريد لا حل الدولتين، ولا حل الدولة الواحدة التي يذوب فيها الفلسطينيون والإسرائيليون في دولة مدنية تتسع للجميع. قال: إن إسرائيل ببساطة تريد أرضنا بدوننا، ولذلك تقتل أو تشرد الجميع.

لقد أدركنا بهذا السرد الموجع، وبهذه العبارات الواضحة ذات الطعنات النجلاء، عار تخلينا كعرب وكمسلمين عن هذه المعركة الجارية. نفعل ذلك وعيا بتأثيرها الحاسم في تحديد مستقبل الأمة في المرحلة الراهنة والبعيدة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى