تعرضت أجهزة «بيجر» اللاسلكية، وهي من أقدم أجهزة الاتصالات في العالم، وطُورت في خمسينيات القرن العشرين، لعمليات تفجير جماعية راح ضحيتها 11 شخصا بينهم طفلة، وإصابة نحو 4000 أغلبهم من عناصر حزب الله. ويتهم حزب الله إسرائيل بوقوفها وراء الانفجارات، فيما تنفي هذه الأخيرة صلتها بالحادث.
إعداد: سهيلة التاور
شهدت لبنان عمليات تفجير جماعي لأجهزة «بيجر» أو «البليب» التي يمتلكها عناصر حزب الله، والتي تعد سابقة من نوعها من حيث التقنية المستخدمة وحجم الضرر الذي تسببت فيه.
وأسفر انفجار الأجهزة اللا سلكية إلى مقتل 11 شخصا وإصابة نحو 4000 آخرين في مناطق مختلفة في لبنان، وسط استنفار صحي كبير في البلاد.
من جهته، وبعد التدقيق في كل الوقائع والمعطيات الراهنة والمعلومات المتوفرة حول الاعتداء الآثم الذي جرى بعد ظهر أول أمس الثلاثاء، حمل حزب الله اللبناني إسرائيل «المسؤولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي والذي طال المدنيين أيضا، وأدى إلى ارتقاء عدد من الشهداء وإصابة عدد كبير بجراح مختلفة»، مؤكدا أن «هذا العدو الغادر والمجرم سينال بالتأكيد قصاصه العادل على هذا العدوان الآثم من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب».
كما أوضح «حزب الله» في بيان له أنه «قرابة الساعة 03:30 من بعد ظهر يوم الثلاثاء 17 شتنبر 2024 انفجر عدد من أجهزة تلقي الرسائل المعروفة بالـ «بيجر» والموجودة لدى عدد من العاملين في وحدات ومؤسسات حزب الله المختلفة»، مشيرا إلى أن انفجار هذه الأجهزة أسفر عن عدد من القتلى والجرحى.
وكانت مصادر لبنانية مطلعة أكدت قبل أشهر (منذ يوليوز الماضي) أن حزب الله بدأ باستخدام الرموز في الرسائل وخطوط الهواتف الأرضية وأجهزة «بيجر» لمحاولة التهرب من تكنولوجيا المراقبة المتطورة لإسرائيل، بهدف تفادي محاولات الاغتيال التي طالت عددا من قيادييه مؤخرا.
كما أشارت إلى أن الهواتف المحمولة، التي يمكن استخدامها لتتبع موقع المستخدم، تم حظرها بشكل تام من ساحة المعركة واستبدالها بوسائل الاتصال القديمة، مثل أجهزة «بيجر» والسعاة الذين يبلغون الرسائل شفهيا، فضلا عن الرسائل المشفرة التي تحدث يوميا.
هذا ويستخدم حزب الله منذ سنوات شبكة اتصالات أرضية خاصة به يعود تاريخها إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
خرق إسرائيلي
قالت وكالة أنباء لبنان إن «العدو الإسرائيلي خرق أجهزة بيجر المحمولة للاتصالات وفجرها عبر تقنية عالية».
وذكرت القناة الـ12 الإسرائيلية أن مستشارا بارزا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يلمح إلى أن إسرائيل تقف وراء تفجير أجهزة اتصال في لبنان.
ولاحقا قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن مستشار نتنياهو حذف تغريدته التي أشار فيها لمسؤولية إسرائيل عن هجمات بيروت بعد دقائق من نشرها.
وقال القائد الأسبق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية إن من قام بهذه العملية أراد توجيه رسالة، وإنه جهز لهذه لعملية منذ فترة.
وقال مسؤول كبير سابق بجهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشاباك) إن تفجير أجهزة اتصال خاصة بمئات العناصر من حزب الله اختراق أمني استخباري غير مسبوق.
وقالت هيئة البث الإسرائيلية إن مجلس الأمن القومي يطلب من الوزراء الامتناع عن الإدلاء بتصريحات بشأن الأحداث في لبنان.
وذكرت الهيئة أن حزب الليكود حظر على أعضائه الإدلاء بتصريحات وإجراء مقابلات بشأن الأحداث في لبنان.
وأضافت الهيئة أن الجبهة الداخلية أبلغت رؤساء السلطات المحلية باحتمال التصعيد الأمني دون تعليمات جديدة.
وقال موقع «واللا» إن جنود احتياط تلقوا أمرا للتجنيد الفوري وحالة تأهب في غرف الاستنفار ووحدات الجيش.
أما القناة الـ14 الإسرائيلية فقالت إنه ابتداء من الليلة سينتقل الثقل الأمني والعسكري من قطاع غزة إلى الجبهة الشمالية. وأشارت إلى احتمالات بإعلان إسرائيل قريبا جبهة الشمال جبهة الحرب الرئيسية.
ونقل موقع «أكسيوس» عن مصدر أن استخبارات إسرائيل قدرت قبل العملية أن حزب الله من المرجح أن يرد بهجوم كبير على إسرائيل.
ويأتي ذلك في وقت نقلت فيه صحيفة «إسرائيل اليوم» أن نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت وكبار المسؤولين الأمنيين يجتمعون حاليا بغرفة العمليات تحت الأرض بوزارة الدفاع.
ونقلت صحيفة هآرتس عن مصادر إسرائيلية أن الأجهزة الأمنية تعتقد أن حزب الله ينوي إطلاق عملية عسكرية ضد إسرائيل.
وقالت الصحيفة إنه طُلب من كبار القادة الأمنيين حضور اجتماع طارئ وتقديم خيارات لمواجهة تصعيد محتمل مع حزب الله.
كما نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» عن مصدر أمني إسرائيلي أن مشاورات أمنية مكثفة أجريت في الساعات الأخيرة بشأن إمكانية نشوب حرب على حزب الله، وأشارت المصادر إلى أن التوتر الشديد مع الحزب وصل إلى حافة الهاوية.
وذكر مصدر لموقع «أكسيوس» الأمريكي أن إسرائيل لم تبلغ أمريكا قبل الهجوم على أجهزة الاتصال لحزب الله في لبنان.
كما قال إن الموافقة على عملية تفجير أجهزة الاتصال بلبنان تمت خلال اجتماعات أمنية هذا الأسبوع. والاجتماعات الأمنية كانت بين بنيامين نتنياهو وكبار أعضاء حكومته ورؤساء الأجهزة الأمنية، بحسب الموقع.
وبين المصدر أن إسرائيل فجرت أجهزة الاتصال لنقل قتالها مع حزب الله لمرحلة جديدة.
جهاز النداء الـ «بيجر»
الـ«بيجر» أو الـ«بيبر» (جهاز النداء أو الصافرة بسبب الصوت الذي يصدر عنه)، جهاز اتصال لاسلكي يستقبل ويعرض نصوصا أبجدية رقمية أو رسائل صوتية، ويُصدر صوتاً عندما يتلقى إشارة.
ولم تعد تلك الأجهزة مشهورة كما كانت في تسعينيات القرن الماضي بين عموم الناس، إلا أن بعض العاملين في مجالات السلامة العامة والرعاية الصحية، مثلاً، ما زالوا يستخدمونها.
وفي أواخر القرن العشرين، أحدثت هذه الأجهزة ثورة في الاتصالات الشخصية والمهنية، إذ مكنت الأشخاص من إرسال واستقبال الرسائل أثناء التنقل دون الحاجة لخطوط أرضية، لكن قلت شعبيتها مع الوقت بسبب ظهور أجهزة أحدث.
أما سبب التسمية «بيجر»، فيعود إلى شركة موتورولا، التي صاغته بسبب جمعها بين تقنيات جهاز الاتصال اللاسلكي (ووكي توكي) وراديو السيارة في جهاز نداء ترانزستوري.
ويحتوي كل جهاز نداء على رمز بروتوكول الوصول إلى القناة (CAP) الخاص به وهو عنوان تعريف فريد، عندما يسمع جهاز النداء رمز CAP الخاص به فإنه يتلقى الرسالة، ويختلف الصوت (صفيراً، أو رنيناً، أو اهتزازاً) بحسب نوع الجهاز .
بحسب موقع «تيكجيري Techjury» المختص بالتكنولوجيا، فإن أجهزة «بيجر» تتمتع بخصائص وميزات عن الهواتف الذكية الأكثر شيوعاً في الوقت الحالي، جعلت العديد من الجهات تختارها كأداة تواصل.
وأكثر مستخدميها اليوم هم فنيو الطوارئ الطبية ورجال الإطفاء، باعتبارها تساعدهم على اتخاذ القرارات بسرعة أكبر أثناء حالات الطوارئ، ولا تستنزف البطاريات بسرعة.
كما يستخدمها الكثير من الأطباء وأخصائيي الرعاية الصحية، من أجل التواصل مع بعضهم البعض، لبساطة وسرعة الاستدعاء وكذلك تحافظ على سرية بيانات المرضى الحساسة، فهي موثوقة بالنسبة لهم أكثر من الأجهزة الذكية.
ومن الخصائص التي تجعل هذه الأجهزة شائعة بين التنظيمات والفصائل العسكرية، أنه يصعب تعقبها مثلما يحدث مع الأجهزة الذكية، كما أن تبادل النصوص والرسائل الصوتية فيها قد يفتقر إلى السياق (بحسب نوعها) ولا تحتاج لبطاقة SIM، إذ تعمل من خلال إشارات الراديو لنقل الرسائل، ولديها شبكة إشارة قوية، لذلك قد تعمل أكثر من الأجهزة الحديثة في المناطق الريفية والنائية.
وتتعدد أنواع «بيجر»، ومنها أجهزة للتنبيه فقط، وثانية رقمية أي يمكنها إرسال أرقام، وليس صوتاً أو ضوءاً فقط كما في الأولى. والنوع الثالث أبجدي رقمي، أي بإمكانه توجيه رسائل مكتوبة ورقمية أيضاً. وجميعها لا توجد فيها خاصية الرد على الرسالة مباشرة، إذ يقوم المستخدم كل مرة بإرسال رسالة منفردة مما يجعلها تفتقر لوحدة السياق.
والرابع ذو اتجاهين أبجدي رقمي، يمكنه إرسال واستقبال الرسائل بالأرقام والكلمات، وفيه خاصية الرد المباشر، كما يحتوي على لوحة مفاتيح صغيرة مدمجة (QWERTY).
النوع الخامس، يمكن فيه تبادل رسائل صوتية وليس رقمية أو مكتوبة فقط. ويختلف نوع المستخدمين بحسب حاجتهم لنوع الرسائل التي يودون تبادلها.
فرضيات التفجير
الجهاز الذي يستقبل فقط ولا يرسل إشارة تدل على مكان حامله يجعل من الصعب إيجاد إحداثياته.
أما بشأن فرضيات سبب التفجير، فنحن أمام مسارين، الأول من خلال التفخيخ المسبق أي أنه من الممكن أن تكون هناك شحنة أرسلت والأجهزة التي بداخلها مفخخة دون أن يتم فحصها عند الاستلام.
ولأن «بيجر» جهاز برودكاست يرسل رسالة لمجموعة من الأشخاص داخل موجة محددة، فوارد أن يتم من خلال اختراق الشبكة بإرسال رسالة بكود معين يفعل اللغم الموجود في الجهاز، أو أن يفجر اللغم من خلال إشارات مباشرة إلى اللغم نفسه من مسيرات أو أجهزة إرسال ذات تردد عالي.
أما المسار الثاني فهو مسار «الأوفر لودينغ»، أي تحميل الجهاز أكثر من طاقته على التحليل والمعالجة للبيانات بأضعاف مضاعفة ما يؤدي لرفع حرارته وانفجار بطارية الليثيوم داخله. فهذه البطاريات حسب أنواعها إما تحترق أو تنفجر، ما يعني اختراق الشبكة نفسها التي ترسل الرسائل إلى أجهزة الأفراد من خلال إغراقها بكميات هائلة من الرسائل والأوامر في فترة متزامنة.
ويرجح التزامن الكبير في لحظة حدوث تفجير الأجهزة في مناطق مختلفة فرضية التلغيم المسبق، من دون القدرة على الجزم بذلك قبل استكمال التحقيقات.
أمريكا تعلق
أعلنت الولايات المتحدة أول أمس الثلاثاء أنها لم تكن على علم مسبق ولم يكن لها أي دور في الانفجارات المتزامنة بلبنان.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر للصحافيين «أستطيع أن أقول لكم إن الولايات المتحدة لم تكن ضالعة في الأمر، ولم تكن على علم بهذه الحادثة مسبقا، وفي هذه المرحلة نقوم بجمع المعلومات».
ورفض ميلر التعليق على الشكوك واسعة النطاق في أن إسرائيل تقف وراء تفجيرات.
وجاءت تلك التطورات الأمنية بالتزامن مع كشف إسرائيل إحباط محاولة اغتيال كانت تستهدف رئيس أركان سابق بتل أبيب.
تنديدات محلية ودولية
أدانت وزارة الخارجية اللبنانية بأشد العبارات الهجوم السيبراني الذي تعرض له لبنان، معتبرة أن «الهجوم يترافق مع تهديدات إسرائيلية بتوسيع رقعة الحرب باتجاه لبنان على نطاق واسع، وتصلب المواقف الإسرائيلية الداعية لمزيد من سفك الدماء، والدمار، والخراب»، بحسب بيان لها.
وأوضحت الخارجية أنها باشرت «تحضير شكوى لمجلس الأمن بخصوص الهجوم السيراني فور اكتمال المعطيات الخاصة بالهجوم» والذي اتهمت إسرائيل بالوقوف وراءه .
من جانبها، اعتبرت حركة حماس «أن «استهدف مواطنين لبنانيين بتفجير أجهزة اتصالات في مناطق مختلفة من الأراضي اللبنانية، ومَرَافِق مدنية وخدمية، ما أدى لإصابة الآلاف بين المواطنين، دون تفريقٍ بين المقاومين والمدنيين» هو «جريمة تتحدى كافة القوانين والأعراف»، على حد قول الحركة.
وحملت حماس الحكومة الإسرائيلية «المسؤولية كاملة» عن تداعيات ما اعتبرته «جريمة خطيرة»، قالت إنها «تأتي في إطار العدوان الصهيوني الشامل على المنطقة»، بحسب البيان.
وقالت حركة الجهاد الإسلامي إن تفجير أجهزة اتصال يستخدمها عناصر لحزب الله اللبناني، يشكل «عملية غادرة نفذتها أجهزة الأمن الإسرائيلية»، و«جريمة حرب موصوفة، ألحقت أضراراً بالغة بعدد كبير من المدنيين الآمنين داخل بيوتهم عن نية غدر مبيتة».
وقالت الحركة في بيان لها إنها على «ثقة تامة بأن المقاومة الإسلامية في لبنان وسوريا قادرة على امتصاص هذه الضربة الغادرة واحتواء نتائجها سريعاً، وسترد على العدو بما يتناسب مع حجم الجريمة واستهداف المدنيين داخل بيوتهم»، وفقا لنص البيان.
ووجه الملك الأردني عبدالله الثاني بتقديم أي مساعدات طبية يحتاجها القطاع الطبي اللبناني لمعالجة الآلاف من المواطنين اللبنانيين الذين أصيبوا في عملية التفجير الجماعي، حسب ما أعلن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال الأردنية أيمن الصفدي.
وأكد الصفدي خلال اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي على «وقوف الأردن مع أمن لبنان وسيادته واستقراره وتضامنه معه ومع الشعب اللبناني»، مشدداً على «ضرورة وقف التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة، عبر الوقف الفوري للعدوان الإسرائيلي على غزة والتصعيد في الضفة الغربية والتزام قرار مجلس الأمن 1701»، ومشيراً إلى إدانة الأردن ورفضه لكل عمل يهدد أمن لبنان واستقراره وسلامة مواطنيه.
وفي العراق، قال رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إن «التهديدات والاعتداءات المستمرة التي يرتكبها الكيان الغاصب، والتهديد بشن حرب واسعة على لبنان، هي أمور تستدعي تدخلاً دولياً عاجلاً»، موجهاً بإرسال طواقم طبية عراقية وفرق طوارئ إلى لبنان حسبما نقلت وكالة الأنباء العراقية.
كما أعلنت كتائب حزب الله العراقي، «وضع كافة إمكانياتها بيد حزب الله في لبنان». وقالت الكتائب في بيان لها، إنها مستعدة لإرسال من سمتهم «المجاهدين» والمعدات والدعم، سواء على المستوى الفني أو اللوجيستي، على حد تعبيرها.
وجدد وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي تحذير بلاده مما وصفه بـ «خطورة التصعيد الإقليمي بالمنطقة والانزلاق لحرب إقليمية شاملة».
وشدد الوزير، بحسب بيان للخارجية المصرية، على أن «التطورات الخطيرة والمتسارعة التي تشهدها منطقة جنوب لبنان، تعد مؤشراً واضحاً على أن المنطقة بصدد منعطف خطير جراء تصرفات أحادية غير مسؤولة ومتهورة، والتي ستؤدي إلى تبعات ستلقي بظلالها على استقرار المنطقة بأسرها»، مؤكداً على «الأهمية البالغة لمنع التصعيد، وهو ما يتحقق بالوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، ووقف الاعتداءات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وسرعة التوصل إلى اتفاق يضمن إطلاق سراح الرهائن والأسرى والنفاذ الكامل وغير المشروط للمساعدات الإنسانية والطبية للقطاع».