الرأي

من باريس إلى إد بوعبو

يونس جنوحي

مهاجرة مغربية بسيطة في فرنسا، تنحدر من منطقة آيت باعمران، وبالضبط من دوار إد بوعبو التابع إداريا لجماعة سبت النابور، استطاعت أن تسرق الأضواء من المسؤولين الفرنسيين والمغاربة أيضا، رغم أن الاهتمام المحلي بها لم يكن بحجم الحدث الذي كانت وراءه.
فاضمة بوعبود مهاجرة مغربية في فرنسا، من الجيل الذي غادر القرية ولا يزال يراها على حالها، سمعت بمعاناة أبناء الدوار في منطقة سيدي إفني مع التنقل صوب المدرسة التي تبعد بكيلومترات ومطبات جغرافية، تماما كما في ألعاب الفيديو، وقررت أن تقتني من مالها الخاص حافلة وتبعثها إلى أبناء وبنات الدوار لكي يستطيعوا الذهاب إلى المدرسة.
وعندما علم مشغلها الفرنسي بما قامت به، أصر على بدء حملة لاقتناء حافلة ثانية، وتكللت باقتناء ثلاث حافلات للنقل، إذ إن المدير قرر التكفل من مال الشركة باقتناء حافلة ثانية، ونسق مع شركات أخرى في باريس، حيث تم توفير تكلفة الحافلة الثالثة.
قررت «فاضمة» أن تتكفل من مالها الخاص بمصاريف إيصال الحافلات إلى القرية وتسليمها لأبناء وبنات الدوار، وتطوع سائقان آخران لمرافقتها، وفعلا وصلت الحافلات في أقل من أسبوع.
قصة «فاضمة» تصلح لفيلم وثائقي، إذ إنها نشأت في جو عزلة القرية عن بقية العالم. كان أقرانها ينقطعون عن الدراسة بسبب بُعد المدرسة عن الدوار، وبسبب حاجة الآباء إلى من يساعدهم في الحقول، فيما كان إرسال البنات إلى المدرسة أمرا نادرا جدا.
كان حكماء الأمازيغ دائما يرددون أن «فرنسا» لا يمكن أن تُنسي ابن الدوار أصله ومن أين جاء. وأن ترابها مثل الوشم لا يغسله العطر. بل إن مثلا سوسيا قديما يقول إن المهاجر المغربي لا ينسى أبدا الطريق إلى منزل العائلة، وحتى لو تظاهر بأنه نسيه، فإن «روث» البهائم في قريته سيوصله إلى منزله حتما.
في حالة السيدة «فاضمة»، لم تكن هناك حاجة إلى الحكم والأمثال الشعبية، فالسيدة شمرت عن ساعديها وقررت مساعدة أبناء قريتها ووفرت لهم حافلة وشكلت مبادرتها تحفيزا للآخرين على المشاركة. والمثير في قصتها أنها قررت قيادة إحدى الحافلات بنفسها من باريس، حيث توجد الشركة التي تعمل بها، لتمر عبر التراب الأوربي، وتوصلها إلى الدوار في منطقة جماعة سبت النابور.
على المُنتخبين هناك أن يحسوا بالخجل من أنفسهم. لأن معاناة أبناء القرويين الذين يصوتون لهؤلاء السياسيين في الانتخابات، كانت معروفة لسنوات، ولا أحد منهم فكر في إطلاق مبادرة لاقتناء حافلة، مهما كانت متواضعة، لإنهاء معاناة أطفال في عمر الزهور مع البرد والشمس والمرتفعات يوميا للوصول إلى قاعة الدرس المتواضعة والمعزولة. وليس هذا حال منطقة سوس وحدها، فنفس الواقع ينطبق على جبال منطقة الريف ونواحي ورزازات.
يحدث كل هذا، وجماعات أخرى في منطقة المغرب الشرقي تعاني من العزلة ووعورة المسالك واضطرت مئات الأسر في الدواوير إلى محاولة تقبل انقطاع أبنائها عن الدراسة، رغم أن بينهم متفوقين ونوابغ. علما أن الجهة، عندما كان مسؤول اسمه الحبيب الشوباني رئيسا لها، اقتنى أسطولا من السيارات رباعية الدفع ووزعها على أعضاء المجلس للتنقل، كما لو أنهم في رحلة «سافاري»، وترك مواطني الرشيدية يتنقلون عبر دراجاتهم النارية المهترئة، يحملون بها أبناءهم للمدارس وزوجاتهم للولادة.
ما يحز في النفس أن الأطفال الذين أحضرت لهم السيدة «فاضمة»، التي أصبحت أما ثانية لهم بدون شك، حافلات النقل المدرسي، يوجد بينهم نوابغ في الدراسة لو توفر لهم ربع الحد الأدنى من الإمكانيات، لوصلوا إلى الأولمبياد العالمية في الرياضيات والعلوم والآداب أيضا.
وفي الأخير نسمع في الانتخابات عن مرشحين متابعين في قضايا جرائم الأموال، وآخرين يتم استدعاؤهم إلى جلسات التحقيق في شأن أموال تمويل حملاتهم الانتخابية. ولو أنهم فكروا يوما في صرف عُشر ما خصصوه لحملاتهم الانتخابية لإنهاء مشكل الهدر المدرسي في قراهم المنسية، لكانت الحصيلة اليوم حافلة نقل صغيرة لكل تلميذ. وربما تبقى ما يكفي لتصديره إلى قُرى دولة أخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى