الرأي

«موساد في تركيا»!

وائل عصام

أثار الإعلان عن اعتقال شبكة من الجواسيس العرب العاملين لصالح الموساد، الجدل في الأوساط الفلسطينية والعربية، كون معظم المعتقلين فلسطينيين، كانوا قد اختفوا قبل أسابيع، لتعود صور اثنين منهم لتظهر ضمن صور الشبكة المعتقلة، في صحيفة تركية مقربة من السلطات.
الملاحظة الأولى أن المسؤولين الأتراك كانوا قد أنكروا مسؤوليتهم عن اختفاء الفلسطينيين السبعة في تركيا، وأولهم اختفى في قونيا، إذ نفى القنصل التركي في رام الله أن يكونوا معتقلين لدى الأجهزة التركية. أما النفي الأهم فقد صدر عن مسؤول في الخارجية التقى السفير الفلسطيني بأنقرة، ونقل عنه السفير الفلسطيني يومها أن السلطات التركية بحثت عن الفلسطينيين السبعة المختفين في المحتجزات الأمنية التركية والمشافي كافة، ولم تجد لهم أثرا، ليتبين لاحقا أنهم معتقلون لدى جهاز أمني تركي، وهو ما يؤشر إلى نقطتين:
*الأولى غياب الشفافية في التصريحات الرسمية. والنقطة الثانية هي ربما غياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية، وبعض المفاصل الحكومية المختصة بالتعامل الدبلوماسي، فكان من الممكن أن يتجنب المسؤولون الأتراك في رام الله وأنقرة إعطاء موقف حول المعتقلين، نظرا لتدخل جهاز المخابرات في التحقيقات، وهذه المشكلة ليست طارئة بتركيا، بل هناك سوابق عديدة عن إخفاء المشتبه فيهم لدى الشرطة العادية حتى، وعدم إبلاغ محاميهم بأماكن احتجازهم، وهذه السلبيات، بالمناسبة، هي من ضمن الشوائب المؤثرة في عمل النظام الأمني التي سجلتها اللجان الأوروبية الحقوقية، وكانت مما يعيق انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
* النقطة الثانية هي مدى مصداقية الرواية في الصحيفة التركية، فالخبر يقول إن عمل هذه الشبكة كان حول التجسس على العرب، وعلى طلاب أتراك جامعيين مؤهلين للعمل في الصناعات العسكرية، وبلا شك فالتجسس على عناصر حماس المقيمة بكثرة في تركيا هو هدف منطقي لهذه الشبكة، لكن التجسس على طلاب أتراك متخصصين في الدراسات العسكرية يبدو غريبا بعض الشيء، فغالبا ما يختار الجواسيس من بيئة الهدف، ومن الصعب على جهاز أمني اختيار عملاء عرب للاندماج مع طلاب أتراك، خاصة وأنهم لا يملكون اطلاعا على تقنيات أكاديمية عسكرية، فمن المفترض أن يتم اختيار ضباط عسكريين من البيئة نفسها لهذا النشاط، وليس طلابا عربا غرباء على الأتراك وعلى المجال العسكري.
هذه الأيام، ثمة عودة للحديث حول أسطوانة «العرب الخونة» والفلسطينيين، وسيكون هذا الأمر مؤسفا إذا ما توسع وتفشى شعبيا، لذلك يخشى أن تؤدي هذه الحادثة إلى إثارة الرأي العام التركي، خصوصا أن الشارع مهيأ بطبعه للإثارة على أساس قومي، لكن التعويل كبير على رفض هذه الموجة، لأن الأتراك عموما وفي مختلف توجهاتهم يكنون محبة خاصة للفلسطينيين وقضيتهم، ولعل من المفيد التذكير بأن تمكن إسرائيل من تجنيد بعض الفلسطينيين، هو حالة طبيعية ضمن الصراع المديد بين الطرفين. أما إذا كانت علاقة هذه الشبكة بالمخابرات الفلسطينية، للتجسس على عناصر حماس بتركيا، فهي إذن تندرج في إطار نشاط أمني من سلطة ضد معارضة، وهو نشاط يحدث عادة بين الحكومات وخصومها، وهو ما فعلته الحكومة التركية عندما كانت تبث المتعاونين معها ضد الأتراك المعارضين في ألمانيا وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى