شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

موسم الزعفران.. الوجه الآخر

 

 

يونس جنوحي

عمليا، انتهى موسم جني الزعفران في مدينة تاليوين.

بدأ في منتصف نونبر الماضي، واستمر ثلاثة أسابيع فقط، وأسدل الفلاحون الصغار الستار على عملية جمع المحصول والاحتفاء التقليدي به.

ربما تكون تاليوين البلدة الوحيدة في العالم التي تتوفر فيها آلات الوزن الدقيق الإلكترونية، ويتجاوز تعدادها أعداد الساكنة. والسبب أن عملية البيع تتطلب التوفر على ميزان دقيق لتحديد الوزن بالغرام الواحد.

هذه البلدة المنسية المجاورة للأطلس والمؤدية إلى ورزازات وتارودانت، تُزود العالم كله بالزعفران عالي الجودة، وتُسرق منها ملكية هذا الأصل التجاري الطبيعي على مرأى ومسمع من الجميع.

الغرام الواحد من الزعفران الممتاز يزداد ثمنه بدراهم معدودة كل سنة، لكن الفلاح البسيط لا يزال يكابد لكي تكفي عائدات المحصول سنويا لتدبير نفقات السنة كلها.

الزعفران عصب الاقتصاد. الأرامل في القرى المنسية بين تاليوين وأساكي، المشهورة بإنتاج الثوم عالي الجودة، ينتظرن نهاية نونبر من كل سنة لكي يشتغلن في موسم الجني. ثلاثة أسابيع في السنة لسد نفقات أشهر السنة كلها.

معجزة اقتصادية لا تتحقق إلا في تاليوين.

العام الماضي مثلا، بيع الغرام الواحد محليا بأربعة عشر درهما فقط لا غير، لكن سعره في مدن المغرب قارب الخمسين درهما.

المضاربون يجنون من وراء بيع الغرام الواحد أكثر مما يجنيه الفلاح صاحب المحصول شخصيا!

والسبب راجع إلى كثرة السماسرة الذين يتاجرون في الزعفران خارج القانون. يراكمون الأرباح، ولا يؤدون الضرائب. بينما التعاونيات المحلية تشتغل في إطار ضيق، ويتعين عليها تقديم ثمن مشجع لبيع المحصول كاملا إلى الوسيط، الذي يتولى بيعه إلى شركات لا تعلم حتى أين تقع تاليوين على الخريطة!

يعاني المزارعون الصغار هذه الأيام من صعوبة ترويج محصولهم، على هزالة الكميات التي يتوفرون عليها، والسبب أن التجار الكبار – أغلبهم ليسوا فلاحين وربما لم يسبق لهم رؤية زهرة الزعفران في الحقول- يتحكمون في السعر، ولا يملك المزارع الصغير إلا أن يبيعهم ما لديه وفق شروط مجحفة.

وتبقى عمليات البيع المحلية البديل الوحيد لبيع الزعفران المحلي على طول السنة في المحلات الصغرى. دكاكين تبيع الزعفران الحر في عبوات بلاستيكية صغيرة، تشبه تلك التي تمنحها مراكز التحاليل للمرضى لأخذ العينات. وسلاحهم الوحيد ميزان إلكتروني دقيق لكيل الذهب الأصفر، قبل بيعه إلى المسافرين على متن الطريق الوطنية.

المفارقة أن السائح الأجنبي قد يتوقف في تازناخت ويشتري زربية محلية بسعر يتجاوز أجرة موظف في السلم العاشر من الوظيفة في القطاع العام. وعندما يتوقف في تاليوين بعد قرابة ساعة فقط، يشتري الزعفران بأقل من عشرين درهما للغرام الواحد في دكاكين تبيعه، دون علم المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ONSSA، وهو ما ينقص من قيمة المنتوج المحلي. ظروف التخزين العشوائية تنقص من جودة الزعفران. علما أن التعاونيات المحلية المهيكلة تُحرم من ترويج منتوجها، الذي يحترم المعايير ويمر من المختبرات.

الوسطاء يجنون أكثر مما يجنيه المزارع المحلي الذي يكتري الأرض، ويتحمل مصاريف الزراعة والرعاية والجني. وهو واقع مجحف استمر لعقود طويلة، ويزداد حدة مع تنامي التجارة الإلكترونية وثورة الاتصال.

في النهاية يبقى الفلاح البسيط، الذي أمضى حياته وسط حقل الزعفران، مرتبطا ببيع المحصول كل عام لتسديد ديون «الكارني» عند البقال، واقتناء «زريعة» السنة المقبلة، ثم يتبخر المال كله قبل حتى أن ينتهي دجنبر، ويبدأ مسلسل انتظار الموسم المقبل!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى