نحات حول تافراوت إلى معرض مفتوح
حسن البصري
حتى وإن غاب اسمه عن جداريات أزقة مدينة تافراوت إلا أنه يظل حاضرا بقوة كلما حلت بعثة سياحية إلى هذه الربوع من سوس العالمة، إنه التشكيلي والنحات جان فيرام بلجيكي الأصل، في 30 نونبر 1936 بمدينة غاند البلجيكية، فرنسي النشأة.
بدأت علاقة هذا الفنان التشكيلي بالمغرب حين قرر القيام بزيارة للجنوب المغربي، في مغامرة استثنائية سنة 1984، كان يعتزم زيارة تيزنيت والمناطق المجاورة فاستوقفته مدينة تافراوت بمناظرها وهي ترقد عند سفح الأطلس الكبير، فكر وهو يقضي أيامه في ضواحي هذه المدينة في تخليد اسمه بها كما فعل في دول أخرى، من خلال إهداء زوجته وعشيقته في نفس الوقت، هدية متميزة، عبارة عن جبال كرانيطية، عمل على صباغتها بألوان حاضرة في علمي فرنسا وبلجيكا أي الأصفر والأزرق والأحمر. تتواجد هذه الجبال التي ألبسها جان حلة قشيبة في عمق الأطلس الصغير المغربي، وبالضبط بمنطقة أومركت على بعد 12 كلم جنوب تافراوت، والتي تحولت بعد مرور الوقت، إلى منتجع سياحي عالمي يقف عنده كثير من العشاق أغلبهم من الأجانب لينحتوا أسماءهم في الصخر وينضموا لمنتدى النحات فيرام الذي كان يبدو سعيدا وهو يجوب شوارع وأزقة المدينة ويتحدث باللهجة الأمازيغية بالرغم من التعثر في اللكنة.
تجمع الروايات الشفوية التي يتناقلها المرشدون السياحيون وهم يتوقفون عند «أومكرت» على أن فيرام حين حل ضيفا على منطقة تافراوت وأعجب بطبيعتها الخلابة وأنبهر بشكل الصخور وحجمها الكبير، قرر أن يهدي شريكة حياته لوحة فنية تمثلت في صباغة الصخور العملاقة، وتضيف بأن بعض السياح الأجانب كانوا يحذون حذوه فيحملون معهم كمية من الصباغة وفرشاة ويشرعون في طلاء ما تبقى من صخور أو مرتفعات سقطت عنها طبقة الصباغة بسبب عوامل التعرية. لهذا لا تزال هذه الصخور تحتفظ بألوانها البراقة التي تجذب آلاف السياح سنويا، ولا يزال القائمون على الشأن السياحي بتافراوت والغيورون على هذه المعالم يسهرون على تجديدها وصباغتها، حفاظا على فكرة الرسام البلجيكي جان فيرام.
لا تكتمل زيارة تافراوت إلا بالتوقف عند الصخور الكرانيطية العملاقة ذات الأشكال والألوان العجيبة والغريبة، وسلسلة جبال الأطلس التي تضم جبلا على هيئة أسد، وكذلك غابات الأركان المنتشرة في كل حدب وصوب، لكن إبداع الانسان كان له نصيب في انبهار السياح بهذه المنطقة، علما أن العمل لا يتوقف فقط على طلاء الصخور كما يتبادر إلى ذهن البعض، بل يحتاج إلى مجهود كبير يبدأ بغسلها والتأكد من قدرتها على تحمل المتغيرات المناخية مع استخدام تقنيات تحمي الألوان من تقلبات الطبيعة خاصة الحرارة. وهي العملية التي تحتاج لفريق عمل يجسد المشروع قبل الشروع في صباغة المجال.
لكن ليست تافراوت هي المحطة الأولى للنحات البلجيكي/الفرنسي جان فيرام، فقد قام بالعمل ذاته في صحراء سيناء عام 1980، بعد توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، حيث قرر تحويل جزء من الصحراء إلى لوحة فنية زرقاء للدلالة على السلام، فقام بتلوين الصخور وأجزاء من الرمال لتكون لوحة إبداعية حقيقية. وعلى الرغم من الانتقادات التي واجهها من طرف معارضي معاهدة «كامب ديفيد» والتهديدات التي تعرض لها، إلا أنه أصر على استكمال جهوده معتبرا نفسه رسول سلام وقضى سنة كاملة في تحويل جبال يصل طولها إلى 1200 متر، إلى لوحة تشكيلية تطلبت منه حوالي 30 طنا من الصباغة بدعم من مستشهر يرعى مثل هذه المبادرات.
ظل المجال الصحراوي حاضرا في أعمال جان فيرام، الذي يؤسس لمعارض في الهواء الطلق مفتوحة أمام الجميع، مع التركيز على المناطق العذراء ما قاده إلى المغرب ومصر ثم تشاد.