شوف تشوف

الرئيسيةبانوراما

هكذا احتكرت الدول الثرية لقاح «كورونا» وتركت الفقيرة في قائمة الانتظار

حيازة ثمانين بالمائة من اللقاحات من طرف عشرة بالمائة من الدول الغنية

سهيلة التاور
في محاولة منها لضمان الجرعات الكافية من اللقاح ضد فيروس «كورونا»، تسارعت الدول الغنية إلى تكديس الإمدادات من الشركات المصنعة لتوفير ما يحتاجه سكانها بكمية وصلت إلى ثلاثة أضعاف عدد سكانها. هذا التسابق يجعل الدول الفقيرة في قائمة الانتظار إذا لم تحصل على المساعدة، الشيء الذي كانت تحذر منه منظمة الصحة الدولية والتحالف الشعبي للقاحات. ففي الوقت الذي ينجح فيه العلم للتوصل إلى اللقاحات يفشل التضامن بين الدول.

خلص تحليل أجراه التحالف الشعبي للقاحات الذي يضم مؤسسة «أوكسفام» الخيرية، ومنظمة العفو الدولية ومنظمة العدالة العالمية، إلى أن الدول الغنية اشترت جرعات من اللقاحات كافية لتطعيم جميع سكانها ثلاث مرات إذا اعتُمدت جميعها للاستخدام.
وتصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول الراغبة في احتكار ما تنتجه الشركات المنتجة للقاح. وقال أليكس عازار وزير الصحة الأمريكي إن لدى بلاده خيارات للحصول على ما يصل إلى 500 مليون جرعة من لقاح «فايزر».
ووقع الرئيس السابق دونالد ترامب مرسوما يمنح بلاده أولوية في تسلم اللقاحات المنتجة في الولايات المتحدة، قبل تصديرها إلى بلدان أخرى، وتعهد الرئيس المنتخب جو بايدن بتلقيح مائة مليون شخص في أمريكا خلال الأيام المائة الأولى من ولايته.
وتظهر هذه الأرقام أنه من الصعب أن تترك الدول الثرية الفرصة أمام الدول الفقيرة للحصول على لقاحات في وقت مبكر، وأن الأمر قد يتأجل إلى الربيع أو بداية الصيف.
أما كندا فقد طلبت لقاحات كافية لتطعيم كل كندي خمس مرات، كما يقول التحالف. وأعطت السلطات الكندية الضوء الأخضر لاستخدام لقاح «فايزر-بيونتيك». ومن المنتظر أن تتسلم كندا شحنة تضم قرابة مائتين وخمسين ألف جرعة الشهر الماضي.
وعلى الرغم من أن الدول الغنية لا تمثل سوى 14٪ من سكان العالم، إلا أن 10٪ منها اشترت 80٪ من اللقاحات المعتمدة حتى الآن.
وقالت آنا ماريوت، مديرة السياسة الصحية في منظمة أوكسفام: «لا ينبغي منع أي شخص من الحصول على لقاح منقذ للحياة بسبب البلد الذي يعيش فيه أو بسبب المبلغ المالي الموجود في جيبه».
ويقول التحالف في الشهر الماضي حصلت الدول الغنية على جميع الجرعات المتوقعة من لقاح «موديرنا» وعلى 90٪ من جرعات لقاح «فايزر-بيونتي». وتلتزم «أسترازينيكا»، المصنعة للقاح طورته جامعة أكسفورد، بإتاحته على أساس غير ربحي للعالم النامي. وهو أرخص من الأنواع الأخرى، ويمكن تخزينه في درجات حرارة الثلاجة، مما يسهل توزيعه في جميع أنحاء العالم.
وكشف التحالف أنه بينما تعهدت شركة «أسترازينيكا» وجامعة أكسفورد بتوفير 64 في المائة من جرعاتهما للناس في الدول النامية، فإن ذلك لن يصل إلا إلى 18 في المائة من سكان العالم بحلول العام المقبل على أقصى تقدير.

الصين ملتزمة بوعدها
صرح التحالف الشعبي للقاحات بأن «ما يقرب من 70 دولة فقيرة ستكون قادرة فقط على تلقيح واحد من كل عشرة أشخاص ضد كوفيد-19». غير أن الصين وعدت منذ البداية بأن لقاحات كوفيد-19 المطورة في الجمهورية ستصبح منفعة عامة عالمية عندما تكون متاحة. وكان الرئيس الصيني شي جينبينغ قد أكد لمنظمة الصحة العالمية، أن أي لقاح تطوره بلاده ضد فيروس «كورونا» المستجد سيكون للمصلحة العالمية العامة فور بدء استخدامه، مشيرا إلى أن بلاده تدعم تقييما شاملا للاستجابة العالمية لوباء كوفيد-19 بعد السيطرة عليه.
ووصلت الدفعة الأولى المكونة من 3 ملايين جرعة من لقاحات كوفيد-19 التي طورتها شركة «سينوفاك» الصينية للتكنولوجيا الحيوية، إلى عدد من الدول من بينها المغرب وتركيا ومصر.
وتمضي الصين ملتزمة بوعدها بضمان إمكانية الحصول على اللقاح والقدرة على تحمل تكاليفه في البلدان النامية، وهي عاقدة العزم على الاستمرار في ذلك.

تحذيرات منظمة الصحة
أعلنت منظمة الصحة العالمية أن عدم وجود الإمكانيات المتكافئة للوصول إلى لقاحات فيروس «كورونا» قد يلحق أضرارا بالاقتصاد العالمي بحجم 9 تريليونات دولار. بحيث قال المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم غيبرييسوس إن «القومية في مجال اللقاحات قد تكلف الاقتصاد العالمي نحو 9.2 تريليون دولار، وقد تتكبد الاقتصادات الغنية نحو 4.5 تريليون دولار من تلك الخسائر». وأشار إلى أنه من مصلحة كل دولة دعم المساواة في مجال توزيع اللقاحات، مضيفا أن الدول الغنية تجري حملات التلقيح ضد فيروس «كورونا»، بينما لا تزال الدول الفقيرة في حالة «الانتظار». وأضاف: «إن لم ننتصر على الوباء في جميع المناطق، لن ننتصر عليه في أي مكان».
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية قد حذر من وقوع «كارثة أخلاقية» بسبب عدم المساواة في توزيع اللقاحات.
ومن جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الخميس الماضي، إن التصدي لجائحة فيروس «كورونا» المستجد هي الأولوية القصوى لعام 2021، حيث تعد اللقاحات المضادة للفيروس الفتاك بمثابة «أول اختبار أخلاقي كبير» للعالم.
وفي كلمة ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال غوتيريش إنه في الوقت الذي ينجح فيه العلم، فإن «التضامن يفشل»، حيث لا تصل اللقاحات إلا إلى عدد قليل من البلدان بشكل سريع في حين لا تحظى أفقر البلدان بأي شيء. وأردف «إذا انتشر الفيروس مثل حرائق الغابات في جنوب الكرة الأرضية، فإنه سيتحور بشكل حتمي، ويصبح أكثر قابلية للانتشار وأكثر فتكاً، وفي النهاية أكثر مقاومة للقاحات، ويستعد للعودة بقوة لمهاجمة شمال العالم».
كما حذر أمين عام الأمم المتحدة من أن اكتناز واحتكار اللقاحات قد يكلف الاقتصاد العالمي ما يصل إلى 9.2 تريليون دولار مع ما يقرب من نصف تأثير ذلك على الدول الأغنى. ودعا إلى تخصيص المزيد من الموارد لمبادرة «كوفاكس» التي تقودها الأمم المتحدة لتقاسم اللقاحات المضادة لـ «كورونا» بشكل عادل بين الدول الغنية والفقيرة.
وبدوره، اعتبر ستيفن كوكبيرن رئيس قسم العدالة الاقتصادية والاجتماعية في منظمة العفو الدولية تلك الاستراتيجية بأنها «احتكار»، وأضاف في بيان صحافي أن احتكار اللقاحات يقوض نشاط الجهود العالمية لضمان حماية الجميع في كل مكان من كوفيد 19.
كما تابع أن الدول الغنية لديها التزامات واضحة في مجال حقوق الإنسان، ليس فقط بالامتناع عن الأعمال التي قد تضر بالحصول على اللقاحات في أماكن أخرى، ولكن أيضا للتعاون وتقديم المساعدة للدول التي تحتاج إليه.

قرار أممي يمنع الاحتكار
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت، الثلاثاء 21 أبريل 2020، قراراً يدعو إلى «منع المضاربة على لقاح مضاد لفيروس «كورونا» ومنع تخزينه»، بعد خوض الدول العظمى لسباق الوصول إليه.
والقرار يصبو إلى الحيلولة دون اتخاذ قرارات تمنع وصول هذه الأدوية أو اللقاحات إلى الدول التي تحتاجها، خاصة النامية منها.
وحظي هذا القرار بإجماع من الجمعية العامة، المؤلفة من 193 دولة، وتمت عملية التصويت من خلال آلية (لم توضحها) تسمح بتمريره، دون حاجة ممثلي الدول الأعضاء للتصويت عليه بقاعة الجمعية العامة في المقر الرئيسي للأمم المتحدة بنيويورك. ويؤكد القرار أن «منظمة الأمم المتحدة هي المسؤولة في المقام الأول عن تنسيق الجهود العالمية للسيطرة على انتشار الفيروس». ويدعو أيضاً جميع دول العالم إلى «اتخاذ إجراءات عاجلة للقضاء على المضاربة والتخزين غير المبرر، الذي من شأنه أن يعوق الوصول إلى الأدوية واللقاحات ومعدات الوقاية الشخصية والمعدات الطبية الآمنة والفعالة وميسورة التكلفة، خاصة في الدول النامية».
وقد اجتمع موكب من قادة العالم ورؤساء الجمعيات الخيرية ورؤساء الصناعة، بمن فيهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، لدعم مبادرة منظمة الصحة العالمية لضمان تقاسم أي علاجات ولقاحات بشكل عادل حول العالم، إلا أن دولا كالولايات المتحدة والصين وروسيا والهند لم تكن حاضرة.

«كوفاكس» هو الحل
بعد اجتماع عن بعد للأمم المتحدة مع الاتحاد الإفريقي، قال غوتيريش في مؤتمر صحافي إن تمويل «كوفاكس» هي الطريقة الوحيدة لضمان توفير اللقاحات في إفريقيا ومناطق نامية أخرى.
وبدوره، اعتبر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس في اجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن كوفيد-19 أن الضوء في نهاية النفق يزداد سطوعاً بشكل مطرد لإنهاء الوباء. إلا أنه أضاف أن اللقاحات يجب أن تُشارك بالتساوي باعتبارها منفعة عامة عالمية، وليس كسلع خاصة تزيد من عدم المساواة وتصبح سببًا آخر لتخلف بعض الناس عن الركب.
وتابع تيدروس أن برنامج مسرّع الإتاحة لمنظمة الصحة العالمية الذي يعاني من نقص الأموال لتطوير وتوزيع اللقاحات بنزاهة، والذي يتضمن مشروع «كوفاكس»، معرض لخطر أن يصبح لفتة نبيلة ليس إلا» دون تمويل جديد كبير.
كما أشار إلى أن «كوفاكس» سيتطلب 23.9 مليار دولار إضافية خلال عام 2021، مشددا على أن إجمالي كلفة المشروع البالغة 28 مليار دولار تمثل أقل من 0.5 بالمائة من 11 تريليون دولار هي قيمة حزم التحفيز الاقتصادي التي أعلنتها حتى الآن مجموعة العشرين، أغنى دول العالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى