شوف تشوف

الرأي

هل انتهى شهر العسل الاسرائيلي مع الهدوء و«الاعتدال» العربي؟

لعل أهم الدروس المستخلصة من الرد الاسرائيلي الذي استهدف 12 موقعا للجيش السوري في محافظة القنيطرة، وسيارة قيل إنها كانت تقل خمسة من عناصر الجهاد الاسلامي، نفذوا عملية إطلاق أربعة صواريخ باتجاه الجولان والجليل الأعلى المحتلين، أن هناك عدوا اسمه اسرائيل، وأن هناك مقاومة تتصدى له، وقادرة على ضربه في العمق، في وقت انشغل فيه العرب بقتال بعضهم البعض، وتفتيت دولهم، وإهدار ثرواتهم المالية، واستنزاف جيوشهم، ونسيان العدو الأخطر الذي من المفترض أن يلتقي الجميع على أرضية مواجهته.
نحن أمام عملية تسخين “جدية” لجبهة الجولان، انطلاقا من الأرض السورية كرد على تجاوزات اسرائيلية، تمثلت في أشكال عديدة من العدوان والعربدة، وغارات جوية في العمق السوري، وإذلال للفلسطينيين من خلال حصارهم واستيطان أرضهم، واقتحام أقصاهم.
وإذا صحت التقارير الإخبارية الاسرائيلية التي تتهم حركة “الجهاد الاسلامي” بإطلاق هذه الصواريخ، التي جاءت على لسان بنيامين نتنياهو نفسه، فإن هذا تطور على درجة كبيرة من الأهمية، فهذه هي المرة الأولى منذ أكثر من نصف قرن تقريبا يتم السماح فيها لحركة مقاومة فلسطينية بتنفيذ عملية عسكرية ضد أهداف اسرائيلية انطلاقا من أراض سورية، كما أنها المرة الاولى أيضا، ومنذ حرب رمضان عام 1973 التي تسقط فيها صواريخ أطلقت من سورية في الجولان وأصبع الجليل المحتلين.
حركة “الجهاد الاسلامي” نفت على لسان متحدث باسمها أن تكون خلف عملية اطلاق الصواريخ هذه، وربما يكون هذا النفي صحيحا، أو من قبيل التمويه، الله وحده الأدرى بما في الصدور، ولكن أليس لافتا أن هذه العملية جاءت بعد اللقاء الذي تم في دمشق بين الدكتور رمضان عبدالله شلح أمين عام الحركة مع السيد محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني في دمشق، وبعد أشهر من الأزمة في العلاقات بين الطرفين؟ وأليس لافتا أيضا أن هذا الهجوم الصاروخي جاء في ظل اعتراف مسؤولين في حركة حماس بوجود اتفاق تهدئة مع اسرائيل، جرى التوصل إليه عبر وسطاء أبرزهم توني بلير رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، وأن فيه نقاط إيجابية، مثلما صرح السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس أخيرا؟
وربما يجادل البعض، مثلما جرت العادة، بأن هذه الصواريخ الأربعة لم تقتل اسرائيليا واحدا، وهذا صحيح، ولكن الضرر النفسي الذي أوقعته أكبر بكثير من قتل اسرائيليين، أيا كان عددهم، وعدم سقوط ضحايا اسرائيليين ربما كان مسألة حظ، فالمنطقة المستهدفة منتجع سياحي، الأمر الذي سيقضي على هذا المنتجع ومستقبله، ويجعل المنتجعين المستحمين يترددون ألف مرة قبل الذهاب إليه مرة أخرى.
الأمن للمستوطنيين الاسرائيليين في أي بقعة على الأرض الفلسطينية، والعربية المحتلة، هو الهدف الأسمى للاسرائيليين، ولهذا يريدون من كل فلسطيني أولا، وعربي ومسلم ثانيا، أن يوقع تعهدا بعدم إطلاق رصاصة، أو حتى حجرا باتجاههم، وهذا ما يفسر إصرارهم دائما في مفاوضات سلام على الاعتراف والتطبيع والتنسيق الأمني.
الرد الاسرائيلي الفوري والقوي على إطلاق الصواريخ الأربعة يكشف عن مقدار القلق الاسرائيلي، وحجمه، من جراء فتح جبهة الجولان كليا أو جزئيا، وإطلاق يد فصيل فلسطيني مقاوم برع في تكنولوجيا الصواريخ (الجهاد الاسلامي) وتنفيذ العمليات الاستشهادية ضد أهداف اسرائيلية للعمل انطلاقا منها.
ليس هناك ما يمكن أن تخسره السلطات السورية، فالبلاد ممزقة، وجيشها يخوض حروبا على جبهات عديدة مع منظمات وفصائل مسلحة تدعمها أمريكا، ودول عربية وخليجية بالذات بالمليارات بهدف إسقاطها، وربما يؤدي دخول اسرائيل على خط القصف، وحتى التدخل البري، إلى خلط الأوراق، وإظهار حقيقة من هو وطني عروبي اسلامي، ومن هو متواطئ مع أمريكا واسرائيل ضد شعبه وأمته وعقيدته.
إعادة فتح جبهة الجولان، إذا ما تأكدت، والسماح للمقاومة الفلسطينية، وربما السورية واللبنانية بشن هجمات ضد إسرائيل عبرها، لا يمكن أن يتم بمحض الصدفة، أو مبادرة فردية، وإنما في إطار استراتيجية جديدة متفق عليها بشكل مسبق من قبل السلطات السورية وحلفائها، وقد تغير الخطوة خرائط المنطقة السياسية والعسكرية والأمنية في المستقبل القريب.
هل اقترب شهر العسل الاسرائيلي غير المعلن مع دول الاعتدال العربي من نهايته؟
لا شيء يمكن استبعاده هذه الأيام في منطقة الشرق الأوسط الحافلة بالمفاجآت والمتغيرات وانقلاب التحالفات خاصة على الأرض السورية، وما علينا إلا الانتظار الذي لا نملك غيره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى