الرأي

هل باعت أمريكا حلفاءها الأكراد مقابل مناطق آمنة في سوريا؟

قبل عشرة أيام اتصلت بي زميلة لابنتي تسألني عما إذا كان سفرها إلى إسطنبول لقضاء إجازة لمدة أسبوع آمنا، لأنها تفكر في إلغاء السفر بعد متابعتها للصحف وبرامج إخبارية تلفزيونية تتحدث عن قرب انخراط تركيا في حرب إقليمية مزدوجة ضد أكبر قوتين «إرهابيتين» هما تنظيم «الدولة الاسلامية» وحزب العمال الكردستاني.

نصحتها بالمضي قدما في رحلتها لأن الحرب في حال اشتعالها ستكون على الحدود التركية السورية وفي مناطق ذات الأغلبية التركية في القسم الجنوبي الشرقي، ولأنني أدرك جيدا أن انفجارا واحدا لا يجب أن يسبب حالة من الهلع، وبالفعل أخذت بنصيحتي، ولكن بعد عودتها إلى لندن بيومين شهدت تركيا أمس عدة تفجيرات، استهدف واحد منها القنصلية الأمريكية في إسطنبول لم يسفر عن ضحايا، والثاني في حي آخر في المدينة نفسها إثر انفجار قنبلة أدت إلى جرح ثلاثة رجال شرطة وسبعة مدنيين، أما الثالث فجاء نتيجة انفجار سيارة مفخخة في مدينة سيرناك أدى إلى مقتل أربعة رجال شرطة.

لا شك أن العمليات الإرهابية خطر كبير يهدد أمن تركيا واستقرارها، ولكن ما هو أخطر منه هو تكوّن انطباع لدى أكثر من 35 مليون سائح يزورن تركيا سنويا، وينفقون حوالي 30 مليار دولار بأن البلاد لم تعد آمنة، وأن عليهم البحث عن مكان آخر، مثلما حدث في تونس بعد تفجير سوسة الشهر الماضي الذي أدى إلى مقتل 38 سائحا أجنبيا، من بينهم ثلاثون بريطانيا.

معظم التقارير الإخبارية تؤكد أن قوات الجيش التركي تستعد حاليا لشن هجوم واسع ضد «الدولة الاسلامية» في ريف حلب الشمالي، وأعلن السيد مولود جاويش أوغلو أن بلاده ستخوض عملية عسكرية واسعة في هذا الإطار، جنبا إلى جنب مع الولايات المتحدة، ولذلك بدأت كل من «جبهة النصرة» وقوات «الدولة الاسلامية» في إخلاء مواقعها ومقراتها، والانسحاب باتجاه أحياء حلب، استعدادا لمواجهة هجوم متوقع.

كل المؤشرات تؤكد حصول اتفاق تركي أمريكي يقضي بأن تطلق الولايات المتحدة يد القوات التركية في شن حرب شرسة ضد حزب العمال الكردستاني وفرعه في سورية، أي وحدات حماية الشعب الكردي، مقابل مشاركة تركيا وجيشها بجدية في الحرب ضد «الدولة الاسلامية»، والسماح بإقامة منطقة، أو مناطق، حظر جوي في الشمال الغربي لسورية بعمق خمسين ميلا، وعلى طول مئة ميل تقريبا.

ست طائرات أمريكية من مجموع ثلاثين طائرة من نوع «إف 16» وصلت إلى قاعدة «أنجرليك» الجوية جنوب شرق تركيا استعدادا لهذا الهجوم الشامل، الذي من المتوقع حدوثه في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة، وربما في نهاية شهر غشت الحالي حيث يقترب الموسم السياحي التركي من نهاياته.

التفجيرات الأربع التي استهدفت القنصلية الأمريكية، وأحد أحياء إسطنبول وسيرناك قد تكون رسالة تحذيرية، أو ردا على استعدادات الهجوم هذه، وإذا كانت السلطات التركية اتهمت جبهة التحرير الشعبي الثوري اليسارية بالوقوف خلف الهجوم على القنصلية الأمريكية، وحزب العمال الكردستاني بتنفيذ آخر في شرق البلاد، فمن غير المستبعد أن يكون أحد هذه التفجيرات تقف خلفها عناصر تابعة لـ «الدولة الاسلامية».

أمريكا باعت حلفاءها الأكراد من أجل استدراج تركيا لخوض حرب ضد «الدولة الاسلامية»، وهي ليست المرة الأولى التي تبيع حلفاءها إذا كانت عملية البيع هذه تتبعها، أو توازيها، عملية شراء حلفاء آخرين لأداء وظيفة ملحة تخدم المصالح الأمريكية بشكل عام.

لنضع عمليات البيع والشراء جانبا، ونركز على الموضوع الأكثر أهمية، وهو نجاح الولايات المتحدة في حال نفذت تركيا جانبها من الاتفاق، وخاضت حربا ضروسا ضد «حلفائها» الاسلاميين السابقين، غير المعلنيين، أي «الدولة الاسلامية»، في جر تركيا إلى حرب إقليمية استنزافية قد تستمر لسنوات، علاوة على كونها غير مضمونة النتائج.

لو سألتني زميلة ابنتي السؤال نفسه في نهاية غشت، ربما ترددت في الإجابة، وإذا ألحت فربما أنصحها بالتريث، والله أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى