الرأي

أين أبي؟

حسن البصري
عندما حقق مسلسل «أين أبي» نسبة مشاهدة عالية، بعدما ساعدت دبلجته باللهجة الدارجة المغربية في جعل المغاربة يتفاعلون مع وقائعه، وكأنها من صميم حياة أسر تعيش في المعاريف وليس في أحياء ميكسيكو سيتي، اعتقد المشاهدون أن البحث عن الأب البيولوجي مجرد وسيلة لتمديد حلقات المسلسل، حتى تشتعل رؤوس الممثلين والتقنيين شيبا.
لكن أبناء العديد من مشاهير الفن والسياسة والاقتصاد والرياضة سقطوا من دفاتر الحالة المدنية، وشكلوا مادة دسمة لإعلام الإثارة كي يمارس هواية جمع «اللايكات» وقرع الأجراس، وجعل الحاضر يشعر الغائب عبر «البارطاج».
القضية تجاوزت حدود الفنانين المثيرين للجدل، إلى الرياضيين الذين حاصرهم سؤال: «أين أبي؟»، فسدد الإعلام في وجوههم قذفات أصابت شخصياتهم الاعتبارية بكدمات، حينها اصطف الكبار والصغار في طوابير مراكز تحليل الحمض النووي.
يواجه الأسطورة الكاميروني صامويل إيتو، هداف ناديي برشلونة وإنتر ميلان السابق، مشاكل قضائية، حيث صار مطاردا بقضية إثبات نسب جديدة، وأضحى اسمه حاضرا في غلاف كبريات الصحف الإسبانية، سيما بعد ظهور طالبة جامعية تدعى إيريكا، قالت إنها البنت الثامنة للنجم الكاميروني، والتمست من المحكمة مساعدتها للحصول على ما يثبت نسبها للهداف العالمي.
هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها إيتو قضية إثبات نسب، فكثير من عابرات السرير يطالبنه بعد انتفاخ البطن باتخاذ المتعين ومنح لقبه الفخري للوليد، حتى أن النجم الكروي استغرب حين طالبته سيدة يونانية بالاعتراف بابنها الأشقر، فهددها برفع دعوى ضدها إلى أن صرفت النظر عن المتابعة.
في كثير من مؤسسات دور رعاية الأطفال وجمعيات حماية المتخلى عنهم، قصص سيدات خذلهن لاعبون منهم نجوم ومنهم أشباه نجوم، لو تكلمت عائشة الشنا لأشعلت المدرجات وجعلت الفضيحة عنوانا لأغاني الغريمين التقليديين، لكنها تذكر ضحاياها ببريق النجومية الخادع وتعيد على أذهانهم حديثا قيل إنه ضعيف: «إذا ابتليتم فاستتروا».
ينشط الإعلام وينتعش من قضايا إثبات النسب، وتصطف جمعيات المجتمع المدني وراء عابرات السرير ابتغاء إقرار قضائي يمنح للمولود عقد ازدياد وليس عقد رعاية وتكفل، وأمام الرفض والإنكار يطرح خيار الخبرة الجينية، حينها تشرئب أعناق الفضوليين لمعرفة تفاصيل ليلة انتهت بانتفاخ بطن وتصلب دماغ.
لم يعد الأمر مثيرا للحشمة والخجل، ولا يهم إن كان للملتمس مضاعفات سوسيو اجتماعية على المطالب بحق الانتساب لنجم مطالب بأداء ضريبة المتعة، فإذا لم تربح القضية فعلى الأقل لك نصيب من الشهرة.
حين نشر شاب تسجيلا لمكالمة هاتفية جمعته بالفنان الشعبي عبد الرحيم الصويري يطالبه فيها بالاعتراف به كابن، ويقص عليه معاناته رفقة والدته، رد عليه المغني بكشكول من الشتائم تحولت بدورها إلى مادة إعلامية صالحة للاستهلاك.
وركب نفس موجة النسب شاب وشابة يؤكدان أنهما ابنان للفنان الشعبي عادل الميلودي، ويطالبان بإثبات نسبهما له، ومزق الستاتي ورقة نسب ابنته من الحالة المدنية، لارتمائها في حضن رابور..
في بلادنا يطول النقاش وتدخل قضايا إثبات النسب دهاليز المحاكم، بينما تؤمن الولايات المتحدة الأمريكية بمبدأ «خير البر عاجله»، فتجوب سيارة طبية شوارع مدينة نيويورك وهي عبارة عن مختبر متنقل لفحص الحمض النووي، وذلك لإثبات نسب الآباء لأبنائهم المطعون في نسبهم، وعليها عبارة «من هو أبوك؟»، المبادرة لاقت قبولا واسعا في أوساط الشباب، خاصة الذين راودتهم شكوك حول إمكانية خروجهم إلى الوجود في لحظة نزوة عابرة.
بدولار واحد يمكن الحسم في كثير من الهواجس التي تتراقص أمام كل من تساوره الشكوك، وبالجلوس لدقائق خلف طبيب مختص وأخصائي نفسي، يمكنك حسم القضية في سرية تامة ومغادرة السيارة وأنت تملك الجواب عن سؤال: «أين أبي؟».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى