
منذ فترة ليست بالقصيرة، لم يسمع الرأي العام عن موقف حاسم لمجلس المنافسة، ولم يقف عند دراسة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي تضع خريطة طريق للخروج من الأزمة. والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو إذا لم تتحمل مثل هاته المؤسسات الدستورية مسؤوليتها الضبطية والاستشارية في وقت الشدة والأزمات، فما الحاجة إليها في وقت الرخاء؟
لا نعتقد أن مسلسل الصمت والتجاهل، الذي دخلت فيه مؤسسات دستورية في سياق صعب، يمكن أن يكون الطريق السوي للمساعدة في الخروج من وضع عنق الزجاجة الذي تعيشه بلادنا. إن مجلس المنافسة هو الوجه الآخر للمؤسسات الدستورية، ولهذا يوجد أمثاله في كل دول العالم التي تتمتع بقدر من الحكامة، ضمن ما تسمى هيئات الحكامة بوظائفها الضبطية والتقنينية، التي تتمتع بكل الإمكانيات التي تحولها إلى سلطة في الظروف غير العادية.
والواقع، فقد سجل مجلس المنافسة غيابه بشكل كامل في زمن يحتاج الجميع إلى آرائه أكثر من أي وقت مضى، ولم يقدم ما هو مطلوب منه لمواجهة الإشكالات العصيبة التي واجهت معيشة المواطن في مواجهة الأسعار والاحتكار والتركيز والمضاربة، رغم أنه يتوفر على كل الإمكانيات القانونية التي تجعله يتدخل ولو بشكل مؤقت، فما الذي يمنع مجلس المنافسة من تحريك المادة 4 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة لتسقيف هوامش الربح من قبل الحكومة.
وإذا كان الهدف من إحداث مجلس المنافسة هو المساهمة في الضبط والتقنين في المجال الاقتصادي، فإنه اختفى نهائيا في الأزمة الحالية التي أثارت نقاشا شعبيا ومجتمعيا وسياسيا مستفيضا حول الأسعار، فيما المجلس المعني أصلا بتقديم الوصفات والحلول غائب عن النقاش.
والأكيد أنه ترتب على غياب مجلس المنافسة، ظهور بعض الظواهر والممارسات الاحتكارية التي صورت نفسها على أنها أقوى من القانون.
وإذا كانت الحكومة أو البرلمان لم يطلبا رأيه في موضوع ارتفاع أسعار المواد الأساسية، فإن القانون المنظم لاختصاصاته وعمله يجعله مسؤولا عن التدخل لتقديم حلول لتجاوز الوضعية الكارثية التي تعيشها مائدة المواطن وجيبه، لأن القانون منحه تلك السلطة، فبالإضافة إلى اختصاص إبداء الرأي يملك مجلس المنافسة حق التدخل بمحض إرادته لتوجيه الحكومة في قضية الارتفاع المتتالي للأسعار، إلا أنه لا يريد أن يحرك هذه السلطة وفي الوقت نفسه لا يبرر لماذا لا يفعل ذلك، رغم أن حبال الأزمة المستوردة تزيد من خنق عنق المواطن.





