حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

إسرائيل واليمين الأمريكي بعد غزة

أمينة أبو شهاب

 

 

الكلمة وما تؤول إليه من تغيير الأفكار والتوجهات قد تصيب في مقتل، هذا برغم ما تمتلكه الدولة الصهيونية من القوة، وبرغم حكم طغاة شركات تكنولوجيا المعلومات القابض وتحكمهم في ما يتداول في العالم وإضافة قوتهم الإعلامية- التقنية إلى قوة إسرائيل. ومن المهم التأكيد هنا كما سيتضح من المقال أن العامل الإنساني البشري في تأثره وتفاعله مع الحقائق هو المحدد والحاسم البحت، وهو ما يربك كل الحسابات.

كل تصرفات إسرائيل خلال السنتين الماضيتين كانت ضد هذه الحقيقة البسيطة بفائض القوة الذي أصبحت تمتلكه وبالضوء الأخضر والتواطؤ الغربي، الذي حصلت عليه لارتكاب القتل الجماعي والتدمير الشامل في غزة. وكما هو واضح، فلقد وقف الإعلام التقليدي الغربي بشكل عام مع إسرائيل، وغطى بشكل كبير على جرائمها في غزة.

بقيت إسرائيل ضامنة أوروبا لصفها وإلى جانبها بشكل كبير، في ما ترتكبه في غزة من جرائم، رغم الحراك الشعبي الكبير فيها تعاطفا مع الشعب الفلسطيني. أما اليمين الأمريكي، حليفها التاريخي الطبيعي والموالي لها بشكل كان يبدو مطلقا فهي ليست مستعدة أبدا للمغامرة به. والتطور الجديد الذي لم يكن أحد يدرك مداه الحقيقي أنها أصبحت تخشاه وتخشى ما يتداوله مؤثروه وجمهوره في ما يتفاعل به مع ما ارتكبته في غزة وظهور الصورة الحقيقية لها واضحة وبينة أمام أعينهم.

اليمين الأمريكي قوة إيديولوجية وعقائدية هائلة في مجتمع أمريكي بنى أجداده سلبهم واستعمارهم للأرض وإبادتهم للسكان الأصليين على تفسيرات وعقائد دينية. وكما يقول المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، فإن الصهيونية المسيحية البروتستانتية الأنجليكانية هي أقدم من اليهودية، وإلى قوتها وتحكمها في بريطانيا والولايات المتحدة، من خلال تبني النخبة السياسية لها، يعود الدور بفعالية في إقامة إسرائيل في فلسطين من خلال وعد بلفور.

استمر دعم اليمين الديني الأمريكي لإسرائيل صلبا وثابتا، باعتبارهما شريكين عقائديين في مفهوم ذي أهمية قصوى في الثقافة الغربية وهو «الحضارة اليهودية- المسيحية»، التي يقفان للدفاع عنها ويعلنانها كعقد مشترك وكشعار. ولقد لقيت حكومة نتنياهو، خاصة أنها يمينية- دينية، كل التأييد في بداية حربها الوحشية على غزة.

لكن الفظائع الإسرائيلية التي تجاوزت كل حد يمكن للعقل الإنساني الطبيعي تخيله أو قبوله كان لها منطقها في التأثير، ليس على القسم الأعظم من اليسار الأمريكي وشبابه فحسب، بل على طائفة مهمة من المتدينين اليمينيين الشباب.

وهنا يمكن القول إن إعلام الإنترنت الموصوف من إسرائيل والمدافعين عنها في الصحافة الأمريكية بـ«المسموم» قد أتى أكله. فما كان يجري فيه من جدل وتساؤلات جذرية، كان يقول ويكشف الكثير للمراقب بعيدا عن واجهات كبريات الصحف الغربية.

من كان يراقب حقا وبدقة وقلق كبير هو الوكالات والهيئات البحثية اليهودية في أمريكا. إحدى هذه الوكالات المتخصصة في مواجهة اللاسامية والتشويه ترصد في مقال منشور على صفحتها حول خمسة مؤثرين يمينيين، النقلة الكبرى التي حدثت في توجهات هؤلاء المؤثرين، وانعكاس ذلك في توجيه الرأي العام اليميني في الوقوف ضد إسرائيل.

المقال الذي يحمل تاريخ 17 يوليوز 2024 يذكر كيف تصاعدت عددية المتابعين للمؤثر جونسون هينكل على منصة «إكس»، من حوالي أربعمائة ألف متابع، قبل طوفان الأقصى، إلى ما يزيد على مليونين ونصف المليون بعد هذا الحدث، بانتقاده الشديد لإسرائيل واستقطابه عشرات الآلاف من التعليقات. ويذكر المقال أن إحدى تغريداته عن غزة المناهضة لإسرائيل قد حصلت على ثمانية عشر مليون مشاهدة. ما قبل الحرب على غزة، كانت تغريدات هينكل التي لم يصل فيها إلى اختراق آفاق الإنترنت تقتصر على الشأن الأمريكي بالعلاقة مع العولمة، وما يسميه «النخبة» التي تدير شؤون العالم.

هينكل ليس إلا مثالا واحدا على مؤثرين يمينيين فتحت أعينهم غزة على حقيقة إسرائيل، التي كانوا يعتقدونها كيانا دينيا يمثل إرادة الرب، فاهتزت تلك الصورة والمسلمات وراءها، فكان أن خرجوا عن السردية الصهيونية السائدة أمريكيا وغربيا. وليس صدفة، وبالتبعية، أنهم سيبدؤون في التطرق إلى مواضيع خاصة بإسرائيل التي هي شأن داخلي أمريكي محرم الدخول في مواضيع معينة فيه.

هناك من هو أعظم تأثيرا من هينكل، الذي يحظى بمتابعة ملايين أكثر، والوحيد الذي يمتلك قاعدة عريضة من طلاب الجامعات ويمتلك أفئدتهم وأسماعهم.. تشارلي كيرك، الذي أسكتته رصاصة في العنق كمغزى لإسكات تأثيره، كان قد بدأ يغير أفكاره وتوجهاته نحو إسرائيل ويخرج عن الخطوط الحمر المرسومة له كموال لإسرائيل. وفيديوهاته تمثل دليلا قاطعا على تغير روايته ليس فقط عن غزة، وإنما عن أمريكا ونفوذ إسرائيل فيها، كما أنه اشتكى فيها من الضغط الذي تعرض له.

احتاج نتنياهو لأن يظهر في الإعلام الأمريكي لينفي التهمة التي اشتعلت بها ميديا مواقع اليمين الأمريكي. لهذه الدرجة أصبحت علاقة اليمين الأمريكي بإسرائيل صعبة ومتفجرة، وزادتها دفاعات نتنياهو، التي رآها المحيطون بالقتيل متهافتة وكاذبة، تعقيدا وموضوعا للجدل كما هو موضوع حيثيات جريمة القتل وكيفيته.

 

 

نافذة:

الفظائع الإسرائيلية التي تجاوزت كل حد يمكن للعقل الإنساني الطبيعي تخيله أو قبوله كان لها منطقها في التأثير على طائفة مهمة من المتدينين اليمينيين الشباب

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى