حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةسياسية

إقالات غير مسبوقة بواشنطن تطيح بعضوة الاحتياطي الفيدرالي

حملة أوسع لتصفية المعارضين امتدت لوزارتي الدفاع والخارجية والاستخبارات

في خطوة غير مسبوقة تهدد تقاليد استقلال المؤسسات الأمريكية، أقدم الرئيس دونالد ترامب على إقالة ليزا كوك، عضو مجلس الاحتياطي الفيدرالي، مبررا قراره باتهامات تتعلق بالاحتيال العقاري. القرار، الذي سرعان ما رفضته كوك واعتبرته غير دستوري، يفتح الباب أمام معركة قانونية وسياسية قد تصل إلى المحكمة العليا، ويثير في الوقت ذاته مخاوف عميقة من اهتزاز ثقة الأسواق العالمية في قدرة البنك المركزي الأمريكي على أداء دوره، بعيدا عن ضغوط البيت الأبيض.

 

إعداد: سهيلة التاور

 

أقدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء الاثنين الماضي، على إقالة ليزا كوك من عضوية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في سابقة خطيرة تعكس تصعيدا لافتا، في محاولاته فرض نفوذه على مؤسسة طالما عُدت حصنا مستقلا عن التجاذبات السياسية.

وأعلن ترامب في رسالة نشرها على منصته للتواصل الاجتماعي «تروث سوشيال» أنه أقال كوك، بسبب مزاعم ارتكابها احتيالا عقاريا. وكانت هذه الاتهامات قد قدمها، الأسبوع الماضي، بيل بولتي، الذي عينه ترامب في الوكالة التي تنظم عملاقي الرهن العقاري «فاني ماي» و«فريدي ماك».

غير أن كوك ردت على إعلان ترامب عن إقالتها بتصريح حاد قالت فيه: «زعم الرئيس ترامب إقالتي (لسبب وجيه)، في حين أنه لا يوجد سبب قانوني لذلك، وليس لديه سلطة للقيام بذلك. لن أستقيل، وسأواصل عملي لدعم الاقتصاد الأمريكي، كما أفعل منذ عام 2022».

ادعى بولتي أن كوك قامت عام 2021 بالإشارة إلى مسكنين أساسيين لها – في آن أربور بولاية ميشيغان وأتلانتا – للحصول على شروط أفضل للقروض العقارية. ومن المعروف أن أسعار الفائدة على المنازل الثانية، أو تلك التي تُشترى بغرض التأجير، غالبا ما تكون أعلى.

ومن المتوقع أن تُطلق هذه الإقالة معركة قانونية واسعة قد تصل إلى المحكمة العليا، وقد تُحدث اضطرابا في الأسواق المالية، مما قد يدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع. وتُعتبر استقلالية البنك المركزي أمرا حاسما في قدرته على محاربة التضخم، لأنه يمكّنه من اتخاذ خطوات غير شعبية، مثل رفع أسعار الفائدة. وإذا بدأ المستثمرون في السندات يفقدون ثقتهم في قدرة «الاحتياطي الفيدرالي» على السيطرة على التضخم، فسوف يطالبون بأسعار فائدة أعلى لشراء السندات، مما يرفع تكاليف الاقتراض على القروض العقارية وقروض السيارات وقروض الأعمال.

وأشار خبراء قانونيون إلى أن المزاعم ربما تكون مجرد ذريعة للرئيس لفتح مقعد آخر في المجلس المكون من سبعة أعضاء، ليتمكن من تعيين شخص موال له، يدفع نحو هدفه المعلن منذ فترة طويلة، بخفض أسعار الفائدة.

 

صراع السيطرة وتداعيات القرار

يصوت محافظو «الاحتياطي الفيدرالي» على قرارات أسعار الفائدة للبنك المركزي وقضايا التنظيم المالي. وعلى الرغم من أنهم يُعيَّنون من قِبل الرئيس ويُصدِّق عليهم مجلس الشيوخ، فإنهم لا يعملون مثل وزراء الحكومة الذين يخدمون، حسب رغبة الرئيس. بل يخدمون فترات مدتها 14 عاما بشكل متدرج، في محاولة لحماية البنك المركزي من النفوذ السياسي.

لم يسعَ أي رئيس من قبل إلى إقالة محافظ للبنك المركزي. في العقود الأخيرة، احترم الرؤساء من كلا الحزبين استقلالية البنك الفيدرالي إلى حد بعيد، رغم أن ريتشارد نيكسون وليندون جونسون مارسا ضغوطا كبيرة على البنك المركزي، خلال فترتي حكمهما – غالبا خلف الأبواب المغلقة. ومع ذلك، فإن تلك الضغوط الخفية لإبقاء أسعار الفائدة منخفضة، وهو الهدف نفسه الذي يسعى إليه ترامب، قد أُلقي باللوم عليها على نطاق واسع في إشعال التضخم الجامح، في أواخر الستينيات والسبعينيات.

وجاء هذا الإعلان بعد أيام من إعلان كوك أنها لن تترك منصبها، على الرغم من أن ترامب كان قد طالبها في وقت سابق بالاستقالة. وكان أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيون قد أعربوا عن دعمهم لكوك.

وكتب ترامب في رسالة موجهة إلى كوك، نشر نسخة منها عبر الإنترنت: «يتحمل (الاحتياطي الفيدرالي) مسؤولية هائلة في تحديد أسعار الفائدة وتنظيم البنوك الأعضاء. يجب أن يكون لدى الشعب الأمريكي ثقة كاملة في نزاهة الأعضاء الموكل إليهم وضع السياسة والإشراف على (الاحتياطي الفيدرالي)». وأضاف: «في ضوء سلوكك المخادع والذي قد يكون إجراميا في مسألة مالية، لا يمكنهم أن يثقوا في نزاهتك، ولا أنا».

 

«واجب مقدس»

جادل ترامب بأن إقالة كوك دستورية، حتى لو كانت هذه الخطوة ستثير تساؤلات حول سيطرة ترامب على البنك المركزي ككيان مستقل.

وكتب الرئيس في رسالته إلى كوك: «السلطة التنفيذية للولايات المتحدة موكولة لي كرئيس، وبصفتي رئيسا، لدي واجب مقدس وهو أن تُنفَّذ قوانين الولايات المتحدة بأمانة». وأضاف: «لقد قررت أن تطبيق القانون بأمانة يتطلب إزالتك الفورية من منصبك».

ومن المرجح أن تُطلق هذه الإقالة معركة قانونية، وقد يُسمح لكوك بالبقاء في منصبها، بينما تتقدم القضية. وسيتعين على كوك خوض المعركة القانونية بنفسها، بصفتها الطرف المتضرر، وليس البنك المركزي.

ويُعد هذا أحدث جهد من الإدارة للسيطرة على واحدة من الوكالات المستقلة القليلة المتبقية في واشنطن. وقد هاجم ترامب مرارا جيروم باول، رئيس البنك المركزي، لعدم خفضه سعر الفائدة قصير الأجل، بل وهدد بإقالته.

ستمنح إزاحة كوك من مجلس إدارة البنك المركزي ترامب فرصة لتعيين شخص موال له، وقد صرح الرئيس الأمريكي بأنه سيعين فقط مسؤولين يدعمون خفض أسعار الفائدة.

وأشار باول، الأسبوع الماضي، إلى أن البنك المركزي قد يخفض أسعار الفائدة قريبا، حتى مع بقاء مخاطر التضخم معتدلة. وفي الوقت نفسه، سيتمكن ترامب من استبدال باول في ماي 2026، عندما تنتهي فترة ولاية باول. ومع ذلك، فإن 12 عضوا في لجنة تحديد أسعار الفائدة بالبنك المركزي لديهم حق التصويت على رفع أو خفض أسعار الفائدة، لذا فإن استبدال الرئيس قد لا يضمن بالضرورة أن تتغير سياسة البنك المركزي بالطريقة التي يريدها ترامب.

 

إقالات أخرى

مثّلت إقالة وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، لمدير وكالة الاستخبارات الدفاعية، جيفري كروز، آخر حلقات التخلص من المعارضين في الصفوف العليا لوكالات الأمن القومي، بإدارة الرئيس دونالد ترامب.

وقبل ذلك بأيام، أقال وزير الخارجية، ماركو روبيو، المسؤول الإعلامي الأول عن الشأن الإسرائيلي الفلسطيني، شاهد قرشي، وذلك بعدما اقترح تضمين بيان صحفي عبارة تؤكد أن «الولايات المتحدة لا تدعم التهجير القسري للفلسطينيين من غزة».

وجاءت إقالة كروز، عقب صدور تقرير للوكالة حول الضربات العسكرية الأمريكية على مواقع نووية إيرانية، أثار استياء ترامب، في حين جاء التبرير الرسمي للإقالات تحت عبارة «فقدان الثقة»، وهي الصيغة ذاتها التي استخدمتها وزارة الدفاع (البنتاغون)، لتبرير إبعاد قيادات عسكرية أخرى عليا خلال الأشهر الماضية.

في حين تم تبرير إقالة قرشي بتضمينه لعبارات لا تتوافق مع توجهات الإدارة الأمريكية، تجاه ما يتعلق بإسرائيل وصراعات الشرق الأوسط.

 

تأثير مخيف

عن الرسالة التي تبعث بها هذه الإجراءات إلى الآلاف من الموظفين الفيدراليين، قالت الخبيرة عسل راد، الباحثة بالمركز العربي في واشنطن العاصمة، لـ«الجزيرة نت»، إنها موجهة إلى موظفي وزارة الخارجية ومجموعة أوسع من المسؤولين الحكوميين داخل الولايات المتحدة، وهي توخي الحذر بشأن اللغة التي يستخدمونها، والتي قد لا تتماشى مع توجهات الإدارة.

إلى جانب السياسات الأخرى، يخلق هذا – وفق راد- تأثيرا مخيفا على حرية التعبير، سواء بالنسبة إلى المسؤولين داخل الحكومة، أو الجمهور الأمريكي الأوسع.

ولم تتوقف إدارة ترامب عن رصد المخالفين لتوجهاتها ومعاقبتهم أو إقالتهم، حيث بادرت تولسي غابارد، رئيسة الاستخبارات الوطنية، بإلغاء التصريحات الأمنية لأكثر من 30 مسؤولا استخباراتيا سابقا وحاليا.

وبررت غابارد ما قامت به بأنه محاولة لنزع الطابع السياسي عن أجهزة الاستخبارات، إلا أن الواقع يخالف ذلك، إذ إن أغلب هؤلاء المُقالين هم من قاموا بأعمال التحقيقات الواسعة حول التدخل الروسي المزعوم في انتخابات 2026، لدعم حظوظ انتصار ترامب بها.

وفي أبريل الماضي، أقال ترامب الجنرال تيموثي هاو، رئيس وكالة الأمن القومي، التي تجري التنصت الإلكتروني والرقمي، ونائبته ويندي نوبل، بعد أن دعت الناشطة اليمينية المتطرفة، لورا لومر، إلى الإطاحة بهما، بدعوى عدم ولائهما للرئيس الأمريكي.

 

دور البنتاغون

يُعد جمع المعلومات الاستخباراتية عن الجيوش الأجنبية من مهام وكالة الاستخبارات، بما في ذلك حجمها ومواقع انتشارها وتسليحها وعقيدتها القتالية. وتوفر الوكالة المعلومات للقيادات والمخططين العسكريين في البنتاغون.

يُذكر أنه، بعد أيام من الضربات الأمريكية التي استهدفت 3 مواقع نووية إيرانية، في يونيو الماضي، صاغت وكالة الاستخبارات تقييما أوليا، أشار إلى أن برنامج طهران النووي لم يتراجع، إلا لأشهر قليلة فقط، ولم يتم تدميره، كما ادعى ترامب. وعمل كبار مسؤولي إدارته على رسم صورة مختلفة تتضمن نجاحات أكبر للهجمات، مما تقدره الجهات المحايدة.

ولم يتم التخلص من مدير الوكالة فقط، بل تضمنت الإقالات كذلك نانسي لاكور، نائبة مدير الوكالة، والأدميرال جيمي ساندز، ضابط البحرية فيها.

وقال السيناتور مارك وارنر، وهو كبير الديمقراطيين في لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ، إن إقالة الجنرال كروز الذي كان لديه مسيرة مهنية طويلة وغير مسيسة في الخدمة العسكرية، «مقلقة للغاية».

وأضاف في بيان له: «إقالة مسؤول كبير آخر في الأمن القومي، تؤكد العادة الخطيرة لإدارة ترامب المتمثلة في التعامل مع الاستخبارات على أنها اختبار ولاء، وليس ضمانا لبلدنا».

وبينما لم يتم تقديم تفسير رسمي لإقالة قرشي، أكد المسؤول في حديث تليفزيوني أنه دخل في نقاشات متعددة مع إدارات أخرى حول كيفية توصيف مواقف إدارة ترامب من خطط التهجير القسري للفلسطينيين من غزة، وقتل الصحافيين الفلسطينيين.

 

دعم الإبادة

في حديث مع إيمي غودمان، من منصة «الديمقراطية الآن»، قال قرشي إن 3 أحداث تراكمت لتعجل بقرار إقالته، كان يوم الأحد، وهو القتل «المروع» للصحافي أنس الشريف وزملائه. وشهد يوم الاثنين نقاشا حول موقف ترامب من التهجير القسري، الذي هو تطهير عرقي بشكل أساسي. وجاء يوم الثلاثاء بخلاف حول وصف الضفة الغربية بأنها «يهودا والسامرة»، وأوضح «من هنا اجتمع عدد من أنصار إسرائيل في الخارجية، واتفقوا على طردي».

وأضاف قرشي أنه لم يتم السماح بتقديم التعازي في قتل الصحافيين، وتم التذكير بأن إسرائيل تدعي أنه كان عضوا في حركة المقاومة الإسلامية (حماس). وأنه تم تبرير مصطلح «يهودا والسامرة»، بأنه يعكس رأي السفير الأمريكي في إسرائيل مايك هاكابي ولا يمثل موقف الحكومة الأمريكية، في حين تم تجاهل تعليق واشنطن على التهجير القسري للفلسطينيين.

ومنذ 7 أكتوبر 2023، اختار عدد من الموظفين الأمريكيين الاستقالة، احتجاجا على موقف واشنطن من العدوان المستمر على قطاع غزة بأسلحة ودعم أمريكيين. في حين أقيل عدد آخر ممن أبدوا اعتراضهم على هذه السياسات.

وقال أسامة خليل، أستاذ التاريخ بكلية ماكسويل للمواطنة والشؤون العامة بجامعة سيراكيوز بشمال ولاية نيويورك، إنه «لأكثر من 22 شهرا، كانت الولايات المتحدة مشاركا نشطا في الإبادة الجماعية في غزة. نسقت إدارتا الرئيس السابق جو بايدن وترامب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، ودعمتا أهدافه فيها وعلى الصعيد الإقليمي كذلك».

وتابع: «بينما ادعت إدارة بايدن علنا أنها قلقة بشأن الخسائر في أرواح الفلسطينيين، تشير أفعالها إلى أن هذا كان مجرد مواقف خطابية. وقد تجلى ذلك بشكل أكبر عندما استقال مسؤولو وزارة الخارجية احتجاجا، ورغم ذلك، استمرت الإبادة الجماعية حتى الآن».

وبخصوص الرسالة التي تبعث بها هذه الإجراءات إلى الآلاف من موظفي وزارة الخارجية، والدولة عموما، قال آدم شابيرو، خبير الشؤون الدولية بواشنطن: «أعتقد أن أي شخص يعمل في الوزارة في ظل هذه الإدارة، يجب أن يعيد النظر بجدية في ما يفعله أو يقوله».

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى