
قطع عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، الشكوك التي بثها سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، بيقين إجراء الاستحقاقات الجماعية والتشريعية في موعدها الدستوري المحدد، وفق النصوص التنظيمية المنشورة بالجريدة الرسمية، وتبين أن أعلى سلطة في البلد مصرة على احترام دورية الانتخابات، ومتشددة رغم الظروف غير العادية في إنجاح المسار الديمقراطي ببلادنا.
ويبقى السؤال بعد قرار وزير الداخلية، هو كيف ستجري هاته الاستحقاقات في ظل ذروة انتشار فيروس «كوفيد- 19»؟
بدون شك فإن فيروس كورونا سيكون له تأثير بالغ الأثر على سير العملية الانتخابية برمتها، وسيرسم ملامح «مستجدة» للحملات الانتخابية، والتجمعات الخطابية في الساحات العمومية والفضاءات الخاصة، التي لطالما كانت بمثابة القاعدة الرئيسية التي يرتكز عليها المرشحون في التواصل مع ناخبيهم وحشد تعاطفهم، قبيل يوم التصويت، لكنها ستتحول اليوم إلى فضاءات ثانوية، خوفا من أن تصبح بؤرا لنقل العدوى بفيروس كورونا بين الناخبين.
هناك قضية أخرى سوف تلقي بظلالها على الانتخابات المقبلة، وهي معضلة نسبة المشاركة، صحيح أن استحقاقات المأجورين والموظفين والمهنيين شهدت نسبة مشاركة مرتفعة فاقت 60 في المائة في الانتخابات النقابية، لكن هذا لا يعني حتمية ارتفاع نسبة المشاركة في الاستحقاقات المحلية والتشريعية، وبالتأكيد سوف يتردد بعض الناخبين في التوجه إلى صناديق التصويت، بسبب التخوفات الصحية، سواء كانت مبررة أو غير مبررة.
والنتيجة أن الأحزاب الأكثر ربحا في ظل هذا السياق الوبائي، لن تكون الأحزاب التي تعتمد على برامج انتخابية مغرية، أو تتوفر على قائمة لترشيح الكفاءات، بل الأحزاب التي تتوفر على زبناء قارين وكتلة ناخبة مستقرة وناخبين أوفياء، لا يمنعهم وباء في التوجه إلى صناديق الاقتراع للتصويت لحزبهم، ولا تهمهم حصيلة حزبهم خلال التجربة الحكومية، كما هو الشأن بالنسبة إلى حزب العدالة والتنمية، بل سيحضرون للمشاركة من منطلق شبه عقدي، ووفق خطاطة الشيخ والمريد، التي لا تترك مجالا للتصويت العقلاني القائم على المقارنة بين الإنجاز والفشل.
ولذلك فإن التحدي الصعب الذي يواجه هذه الاستحقاقات، يكمن أساسا في إقناع أكبر عدد من الناخبين بالمشاركة المكثفة بالانتخابات في سياق وباء صحي، وكذلك في ظل هيمنة ثقافة العزوف المرتبطة بأسباب كثيرة، من أهمها فقدان الثقة في المؤسسات المنتخبة، وفقدان الأمل في أن تتحول الانتخابات إلى قرارات تخدم مصالح الفئة الهشة.
وبغض النظر عن مآلات الانتخابات التشريعية والجماعية المقبلة، فقد بينت الأوضاع القائمة حدود المنظومة الانتخابية التقليدية، وهي منظومة قائمة على الحضور المادي الجسدي للناخب، في الحملات والتجمعات وفي قاعة الاقتراع للقيام بعملية التصويت، وهو ما سيجعل عشرات الآلاف من الناخبين، خصوصا المنتمين للطبقة المتوسطة يمتنعون عن ممارسة حقهم في التصويت بسبب أو بآخر.
ولذلك وجب التفكير جيدا في أساليب انتخابية تتلاءم مع الظروف غير العادية، فلا يمكن أن تتخذ السلطات قرارات بالعمل عن بعد، والتدريس عن بعد، وعقد لجان البرلمان عن بعد وتنظيم مجالس الحكومة عن بعد، وتبني القضاء عن بعد، وتظل منظومتنا الانتخابية خالية من أساليب إلكترونية التي تقلص من الحضور الجسدي، فلا يعقل أن نطالب أكثر من 150 ألف مرشح للاستحقاقات المقبلة بالتوجه الحضوري، لوضع ملف الترشيح في العمالات والأقاليم، مع العلم أنه كان بالإمكان الأخذ بنظام الترشيح الإلكتروني. ومن غير المعقول أن تتحكم السلطات في مشاركة 7 ملايين ناخب أو أكثر، في يوم واحد، دون أن ينجم عن ذلك تبعات صحية.
لذلك فإن هذه الانتخابات تحتم على السلطات اتخاذ تدابير ببلاغات أو قرارات أو مراسيم، لتعطيل بعض الأساليب التقليدية، في انتظار وضع إطار قانوني انتخابي مستقبلي يأخذ بعين الاعتبار الظروف غير العادية، ويسمح بالترشيح والتصويت عن بعد، باعتماد الوسائل التكنولوجية الحديثة، مع اتخاذ تدابير السلامة المعلوماتية الضرورية، لحماية سرية التصويت وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.




