شوف تشوف

الرأي

الحرب الدائرة في الإنترنت

بقلم: خالص جلبي

أرسل إلي أحدهم رسالة من طبيب مسيحي يزعم فيها أن القرآن مملوء بالتناقضات والأغلاط التاريخية، بل واللغوية، وفي نيتي كتابة بانوراما عريضة للصراع الفكري الحالي الذي يدور في منصات الإنترنت وهي حرب ضروس تهيء للعداوات، بل وتبرمج للحرب. وفي قناعتي العميقة أن ثمة شبكة عالمية يتغذى أفرادها من نفس العين الحمئة من الشبهات، فوجب التصدي لها، والمهم أولا هو محاولة احتواء الهجوم بالكلمة الطيبة، فهذه هي وصية القرآن المزدوجة أن لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم، وثانيا الإيمان بكل الرسل فلا نفرق بين أحد منهم واعتبارهم على الخط نفسه، وفي الواقع كما قال النجاشي يوما للصحابة الهاربين عنده إن ثمة فرق شعرة بين الأفكار. ونحن بدورنا نقول كما فعل مارتن لوثر يوما، فقفز باتجاه التوحيد والتخلص من المؤسسة الدينية الممثلة في البابا المعصوم ومسألة صكوك الغفران، أقول بقي على المسيحية أن تقفز الخطوة الأخيرة فتنزل المسيح الإله من السماء واعتباره رسولا في سلسلة الرسل، ونحن كمسلمين لا نكون مؤمنين ما لم نؤمن بنبوة عيسى عليه السلام.
أقول إن أعضاء هذه الشبكة العالمية يتغذون من نار السموم، ويحاولون إدخال الناس إلى فضاء كما وصف القرآن تهوي به الريح في مكان سحيق أو تخطفه الطير، وهي في الواقع تحريك لقضايا قديمة بكلمات جديدة، وهي تذكرني بتلك المناظرة التي تمت في أمريكا بين ديدات وجيمس سواجارت، ليثبت كل واحد منهما أن دين الآخر هو مجموعة من المثالب والمصائب.
كنت منذ زمن بعيد أفكر في وضع كتاب عن هذه البؤرة الخطيرة من الصراع العقائدي، وكان المحرض على ذلك هو وثائق وادي كمران بالأردن، حين عثر راع وهو يطارد ماعزا له شاردا فدخل كهفا، وبينما هو يبحث عنه عثر على أنابيب عجيبة وحين فتحها وجدها محشوة بأوراق قديمة من جلد، فقال في نفسه قد تنفع فأعطيها إلى أحد السياح، وفعلا باعها إلى سائح بثمن بخس، ليبيعها الثاني بمبلغ خرافي إلى وكالة أمريكية، إن لم تخن ذاكرتي مؤسسة «روكفيلر»، من المهم في القصة أن ذلك الكهف لم يضم ملفا واحدا، بل كشف العديد منها، ولكن المفاجأة كانت تفتت المحتوى مما جعلهم يعكفون على لعبة البوزل (ضم القطع المتناثرة)، وهي القصة نفسها التي حدثت مع انهيار مؤسسة ستازي «StASI»، مخابرات ألمانيا الشرقية التي كان يرأسها بوتين، الرئيس الروسي الحالي، فمع الهريبة حاولوا التخلص من أكبر قدر ممكن من الوثائق حرقا أو تقطيعا بماكينة الفرم، مما جعل الحكومة الألمانية تحصد 17 ألف كيس من الوثائق الهامة، يحتاج فرزها وضمها إلى بضع سنوات وعشرات المتخصصين بالوثائق وبميزانية كبيرة. الشيء نفسه حصل لوثائق كهوف كمران بالأردن، ومما عرف منها أنها تعود إلى طائفة كانت تعاصر المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وهو ما يبشر بإلقاء ضوء جديد على قصة هذا الرجل ـ الرسول ـ والأيام التي عاشها.
هذه القصة وأمثالها حرضت عندي المخيلة على وضع كتابي القديم الجديد عن (المسيح والمؤسسة الدينية وعبثية الصراع المذهبي)، وهو وباء وبيل يتشقق نزولا وصعودا. بمعنى أن أصحاب العقائد والمذاهب يحتدم الصراع بينهم، بين من يؤمن برب، ومن لا يؤمن بوجود إله أو معنى للحياة، والأوروبيون ارتاحوا إلى فهم ظاهرة الحياة أنها تقوم على مبدأ مزدوج من (الصدفة والضرورة) وودعوا البابا والكنيسة. وفي الواقع العملي تخلصوا من الإقطاع والكنيسة واستبدلوهما بازدواجية جديدة، تضم العمال ورأس المال (الرأسمالية المتوحشة التي تلقحت بشيء من الاشتراكية)، كما يشير إلى ذلك الكاتب الليبي النيهوم في كتابه «من سرق المسجد ـ محنة ثقافة مزورة».
وينزل الصراع تشققا إلى الأسفل؛ فيبدأ الصراع بين جماعات الأديان، وهي شتى بين من يؤمن ببوذا أو محمد أو عيسى وموسى، ثم ينزل الصراع زيادة في الحدة بين أتباع الدين الواحد، كما حدث في حرب الثلاثين عاما (1618 ـ 1648م) بين الكاثوليك والبروتستانت، فهلك ستة ملايين من سكان ألمانيا، وكان التعداد حسب ما ذكر ويل ديورانت، صاحب كتاب «قصة الحضارة»، حوالي 21 مليونا، ومع المقابر الجماعية واحتشاد جيوش لا نهاية لها على الأرض الألمانية وتناقص السكان وخراب 80 ألف قرية ومدينة وصلت إلى حد أكل الجيف، مما دعا الكنيسة يومها إلى أن تصدر مرسوما هو للتاريخ الكنسي المرة الأولى والأخيرة، بإباحة تعدد الزوجات، ذلك أن الحرب كما نعرف تأكل الذكور وتبقي النساء لحسن الحظ، لأن من يحمل ويلد هن النساء.
هذا إن ما حدث في القرن السابع عشر في أوروبا، له نظيره عندنا بين الشيعة والسنة في العالم الإسلامي؛ فأنتج توأما (شيعة وسنة)، حسب تعبير المؤرخ البريطاني (توينبي)، ويقول إن من حمى وأنقذ أوروبا من الاجتياح العثماني هو قادم من بخارى وسمرقند، اسمه تيمور الأعرج (تيمورلنك) (وكان يزعم الإسلام، ولكنه مولع جدا بقطع الرؤوس وهدم المدن وبناء منارات من الجماجم!).

في قناعتي العميقة أن ثمة شبكة عالمية يتغذى أفرادها من نفس العين الحمئة من الشبهات، فوجب التصدي لها، والمهم هو محاولة احتواء الهجوم بالكلمة الطيبة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى