الافتتاحية

حالة شرود

ما معنى أن تخرج فيدرالية اليسار في ذروة المعركة الديبلوماسية التي يخوضها المغرب في مواجهة شرسة ضد مدريد، لتزايد على الموقف المغربي وتتهم الدولة بتوظيف مآسي مواطنيها في صراع خارجي؟ هل من اللائق سياسيا أن يخرج حزب في زمن الأزمة لإضفاء الشرعية على أخبار زائفة تروجها وسائل إعلام إسبانية ضد المغرب باتهامه بتوظيف الأطفال والنساء للضغط على مدريد؟
بلا شك ستعمل القوى الإسبانية المتطرفة والإعلام المنحاز والحكومة، على تلقف هذه الهدية المجانية وتوظيف هذا الموقف المتهور من أجل إحراج بلدنا والالتفاف على جوهر المشكل الحقيقي المتعلق باستضافة إسبانيا مجرم حرب ومغتصب أعراض بوثائق مزورة، ولا يستبعد أن تقتطع المنابر الإعلامية بعض فقرات الفيدرالية لترويجها ضد مصالح المغرب كما فعلت مع مقولة «مد الرجل» لمصطفى الرميد التي حققت مفعولا معاكسا.
لا أحد ضد ممارسة الأحزاب السياسية لوظائفها في نقد السياسات العمومية والاعتراض على القرارات الرسمية فهذا من صميم عملها خصوصا إذا كانت تنتمي للمعارضة، لكن ليس حينما يكون الوطن في مواجهة مفتوحة مع دولة تطلب مساعدة الاتحاد الأوربي من أجل دعمها في التغطية على فضيحة ديبلوماسية، وتخرج بعض الأحزاب المغربية لتقديم الدروس لدولتها، هنا يكون مصدر الانزعاج الرسمي والامتعاض الشعبي من بيانات شاردة لا تراعي خصوصية السياق ورهانات الدولة.
للأسف أثبتت فيدرالية اليسار في مناسبات متعددة أنها من الأصوات التي تحاول الركوب على الأزمات لجر الدولة إلى حروب استنزافية لا طائل منها، وبدل أن يتحرك عقلاء الفيدرالية في إطار الديبلوماسية الموازية، لقطع الطريق على المتربصين بوحدتنا الترابية، إلا أنهم اختاروا النهج الخطأ في التوقيت الخطأ، فالبيان الذي أصدرته الفيدرالية حقق هدفا واحدا هو المساهمة في إضعاف موقفنا الوطني على الرغم من أننا نمتلك الكثير من الأوراق الاقتصادية والدبلوماسية والأمنية التي تعزز مركزنا التفاوضي ضد الجار الشمالي.
والغريب في الأمر أن الفيدرالية التي تدين بوجودها وقيمتها السياسية للمجاهد بنسعيد أيت يدر الذي كان من مؤسسي جيش التحرير بالجنوب الذي بذل الدماء في سبيل تحرير مدن ومناطق مغربية من قبضة المستعمر الإسباني، هي من تسيء إلى ذاكرة وماضي الرجل والملاحم التي خاضها ضد المستعمرين، والأكثر إساءة من ذلك أنها تقدم هدايا ديبلوماسية مجانية للخصوم لحشرنا في الزاوية الضيقة، فقط لإشباع رغباتها السياسية وتصفية حسابات سياسوية ضيقة. فالوقت ليس وقت ركوب سياسي والظرف ليس مناسبا لتحريف المواجهة الديبلوماسية الشرسة عن مساراتها الحقيقية بسبب استقبال وحماية ابن بطوش، واللحظة المفصلية لا تتحمل عبء استغلال الأزمة برهانات دولية في دروب تصفية الحسابات السياسوية والدهاليز الانتخابوية التي تصعب السيطرة عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى