شوف تشوف

الرأي

الصردي والكرة

حسن البصري
اشتهر البريطانيون برباطة الجأش وترسخت في أذهاننا صورة نمطية عنهم كشعب ثابت العزيمة ضابط للنفس جامد المشاعر، لكن حين تتابع مباريات الكرة الحاسمة في إنجلترا تكتشف أن ما يقال عن برودة دم الإنجليز كلام عفا عنه الزمن.
مخطئ من يعتقد أن دم الإنجليز بارد وسلوكهم هادئ وتصرفاتهم مرتهلة، بعد أن قدمت جماهير منتخب إنجلترا وصلة في القتال ضد نظيرتها الإيطالية في ملعب «ويمبلي» بعد هزيمتهم وتتويج الطليان ببطولة كأس الأمم الأوروبية، في واحدة من أسوأ المشاهد التي شهدتها فعاليات هذه البطولة القارية.
عذرا لن نشجعكم أيها الإنجليز لأن المباريات الحاسمة عندكم لا تسلم من الأذى حتى يراق على جوانبها الدم والجعة أيضا، ولأن العنف جزء من وجبة الفرجة الرياضية، فقد قدم جمهور إنجلترا درسا في العنف بدم بارد.
حين توج منتخب إيطاليا بلقب أمم أوروبا للمرة الثانية في تاريخه، بعدما حقق فوزا صعبا على نظيره الإنجليزي بركلات الترجيح، استمرت المباراة خارج الملعب بركلات تحت الحزام في مواجهة مثيرة بالعاصمة لندن.
خرجت إيطاليا عن بكرة «عائلتها»، بعد صفارة الحكم، إلى الشارع للاحتفال مع منتخبها بفرحة الفوز بكأس أوربا، وتقاسمت الجالية المغربية المقيمة في إيطاليا مع أهل البلد لحظات الانتشاء بلقب قاري، بل إن الفرحة امتدت إلى مدن مغربية عديدة حيث خرج سكانها لمساندة الفريق الأزرق ليس نكاية في الفريق الأبيض بل اعترافا بجميل قديم.
أن تخرج جماهير خريبكة والفقيه بن صالح وقلعة السراغنة وابن أحمد وغيرها من المدن، للشارع دليل على أن ساكنتها مازالت تحفظ العهد وتصون الود القديم، حتى في غمرة مناصرة «الصردي» ونجوميته، ومتابعة مباريات «الأزوري» شارك أبناء بني مسكين الطليان فرحتهم باللقب القاري، وشجعوهم من مقاهي البروج التي كان فريقها «الأمل» يرتدي في عز الهجرة قمصان الأندية الإيطالية.
فوز إيطاليا بكأس أوربا أنعش الاقتصاد المغربي حيث ازدهرت تجارة بيع قمصان الطليان، وأضحى ارتداء اللون الأزرق بمثابة رد دين قديم، يرجع لتاريخ الهجرة المغربية صوب إيطاليا.
يعتقد البعض أن الحسابات السياسية الراهنة انعكست على تشجيعات المغاربة خلال منافسات بطولة اليورو، خاصة حين عمد كثيرون إلى مساندة الطليان ضد السبليون، انسجاما مع السياق الراهن الذي تعيشه العلاقات المغربية الإسبانية.
لكن الشعب المغربي ظل مساندا للمنتخب الإيطالي في جميع مبارياته، مستحضرا حسابات اجتماعية، حين فتحت إيطاليا ذراعيها للمهاجرين المغاربة وساهمت في نسج تماسك عائلي حتى أصبح هذا البلد جزءا من الذاكرة الشعبية في مدن عديدة لم تنس الأيادي البيضاء لروما.
المتتبع لصفحة اللاعب المغربي المحترف آدم ماسينا يكتشف خصلة الاعتراف بأفضال إيطاليا، وهو الذي غادر المغرب صوب هذا البلد «حاركا» في جوف قوارب الموت، قبل أن توجه له الجامعة المغربية لكرة القدم دعوة لزيارة قبر جدته التي يحجز لها في قلبه مكانة خاصة، فنظمت له رحلة جنائزية التقى فيها ماسينا مع بعض أقاربه، ليحيا فيه من جديد انتماؤه للوطن، ويقبل في آخر المطاف الدفاع عن ألوان أسود الأطلس.
تعرف نزهة الوافي، الوزيرة المنتدبة لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أكثر من غيرها مكانة إيطاليا في وجدان المغاربة، فابنة قلعة السراغنة هاجرت مبكرا لإيطاليا ولها أطروحة بعنوان: «المواطنة العابرة للحدود.. دراسة سوسيولوجية للمهاجرين المغاربة»، كما عاشت الوزيرة، وهي مجرد طالبة، في مدينة تورينو شمال إيطاليا وعملت أستاذة مساعدة بجامعة أليساندريا بإيطاليا بشعبة العلوم الاجتماعية، وتعرف أن الجالية المغربية المقيمة في إيطاليا تشكل جزءا كبيرا من فسيفساء جمهور الكرة، وأن بلد موسوليني كان يوما بلسما لهموم مغاربة ضاقت بهم السبل، في زمن كانت فيه العيطة تمجد إيطاليا وتعتبرها منبع رزق. «نمشي للطلاين نجيب فلوس خراين».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى