ثقافة وفن

الطماطم تنهال على فريد الأطرش لأنه تغنى بالمغرب دون الجزائر في «بساط الريح»

إعداد : حسن البصري
لم يكن محيي الدين عميمور من المتحمسين لانعقاد بعض المهرجانات الدولية في الجزائر، كان يتحفظ بدعوى ترتيب الأسبقيات، إذ كان يؤمن بأن أولى الأولويات هي إزالة «الأنقاض المادية والنفسية المترتبة على مسيرات الخراب التي عرفتها الجزائر»، لكن ربما كان هذا في حد ذاته عاملا وراء إصرار الشبيبة الجزائرية على إقامة المهرجان، «ليكون عرسا كبيرا تتلاقى فيه النفوس قبل الأجسام، ويكون جسر العودة نحو الحياة الطبيعية للبلاد التي أنهكتها الجراح، وبهذا يصبح المهرجان أكبر من مجرد مهرجان».
مورست ضغوطات على الجزائر لقبول مشاركة مجموعة إسرائيلية في بعض المهرجانات الشبابية، تحت مسمى جمعيات السلام، وخشي الوزير من رفع العلم الإسرائيلي فوق ملعب الخامس من يوليوز، وهو التاريخ الذي يرمز ليوم الاستقلال.
يقول عميمور: «رفضت من موقعي كوزير للثقافة كل الضغوط الممارسة على الجزائر، لأنني كنت أعلم أن مجرد رفع العلم العدواني كان أكثر مما يمكن أن يتحمله أي جزائري يتابع كل يوم أخبار قوافل شهداء فلسطين، وله في أديمها رفات شهداء وشهداء».
بين الجزائر وإسرائيل خلافان راسخان في تاريخ البلدين، الأول: عندما قرر الرئيس هواري بومدين إرجاع طائرة «العال» الإسرائيلية التي تم تحويل اتجاهها صوب الجزائر، لمجرد أن الجزائر تدين ترويع المدنيين، على حد قول الكاتب، والثاني: عندما توقفت في مطار إسرائيلي طائرة مدنية قادمة من باريس، تابعة لـ«إير فرانس» وعلى متنها الأمين العام لرئاسة الجمهورية الجزائرية آنذاك، والذي كان في رحلة شهر عسل، وفاته أن يراجع خط السير، فاعتقله الإسرائيليون، ويتعلق الأمر بحكاية العقيد جلول أحد من أقرب المقربين إلى الرئيس بومدين، ولكن ذلك الخطأ غير المقصود كلفه مستقبله السياسي، إذ شطب اسمه إلى الأبد من قائمة المسؤولين السامين، ومن مكر الصدف أن الواقعتين حصلتا في المطار. ناهيك عن مصافحة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لإيهود باراك في الرباط على هامش تشييع جنازة الملك الراحل الحسن الثاني، مما اعتبرها البعض محاولة لرأب تصدع حادثي المطار.
«تواصلت المحاولات، وكان آخرها ما عشته شخصيا في الأسابيع الأخيرة من عملي الوزاري، فقد تقدم لي بعض الجزائريين من اتجاه معين بفكرة زيارة سفينة للسلام، حملت اسم أوديسا 2001، وكانت في الأصل باخرة حربية رومانية، خطط لها أن تجول في عدد من موانئ البحر الأبيض المتوسط، ومن بينها عدة موانئ جزائرية، وعلى متنها فرق فنية ومسرحية وغنائية، رفضت إعطاء أي تسهيلات للباخرة قبل أن أتلقى ما يؤكد عدم وجود مجموعات إسرائيلية على متنها، وتأكد في ما بعد أنه كان هناك بالفعل إسرائيليون، ظلوا في مرسيليا بفرنسا، ثم غادروها بالطائرة إلى البلد الذي رست فيه السفينة بعد مغادرة الجزائر».
ظل وزير الثقافة حريصا على اليقظة كلما تعلق الأمر بمهرجان فني، بل إن استدعاء رواد الطرب العربي كان يخضع لمسطرة معقدة، حتى ولو تعلق الأمر بمطربة جزائرية كالراحلة وردة.
تستحق قصة عودة وردة الجزائرية إلى الجزائر، أن تروى في سياق الحديث عن المهرجانات، فقد أحيا عبد الحليم حافظ وشادية حفلة الذكرى الأولى لاستقلال الجزائر في مختلف المدن الجزائرية وبدأ التفكير في اسم أم كلثوم لتزور لأول مرة الجزائر، ولكن محيي الدين عميمور ذكر مقترح اسم كوكب الشرق، بأنها لم تغن أبدا للثورة الجزائرية أيام محنتها، كما سقط اسم فريد الأطرش الذي غنى في ملحمة بساط الريح العديد من بلاد العالم العربي، ولم يذكر الجزائر.
بدأت المبادرة لأجل إقناع زوج وردة، بالسماح لعقيلته بأن تؤدي أغنية واحدة للجزائر، من كلمات الشاعر الجزائري الراحل صالح خرفي وألحان أحد عمالقة الموسيقى العربية، وتعود إلى بيتها، وقبل الزوج العسكري بعد أن علم بأن الاقتراح شارك فيه الرئيس هواري بومدين.
وفرحت وردة بالمبادرة واقترح عليها اسمان لعملاقين في الموسيقى لتختار أحدهما ما بين رياض السنباطي وبليغ حمدي، خاصة أن الأخير لحن لعبد الحليم حافظ أغنية عن الجزائر في أواخر الخمسينات، وطلبت وردة من بليغ حمدي الذي لم يمكن قد جاوز حينها سن الواحدة والأربعين سنة، وطار الموسيقار الكبير إلى الجزائر، وكان في استقباله محيي الدين عميمور والحاج محمد روراوة الذي كان حينها يشتغل في الرئاسة، ولكن بليغ حمدي المعروف بمزاجه الصعب، وتقلبه بين الحين والآخر، بعد أن تسلم مجموعة من قصائد الراحل صالح خرفي ومنها «نداء الضمير» و«من بعيد أدعوك يا أملي»، حاول العودة إلى القاهرة. لكن عميمور وروراوة رفضا وأصرا على أن يركز على لحنه قرب صاحبة الصوت وردة، فتكفل الحاج روراوة، بتحضير ظروف العمل لبليغ حمدي في مسكن بعيد في وهران، حتى يعود باللحن إلى العاصمة للسيدة وردة جاهزا، ونجحت الخطة الفنية، وأبدع بليغ حمدي بعد أن اعتكف وحيدا في بيت في وهران، بطريقة باهرة ومكن وردة من تفجير طاقاتها الفنية بأغنيتين بديعتين مازالتا تصنعان الحدث الفني والوطني لحد الآن.
كان بليغ حمدي قد جرب الزواج مرة واحدة من امرأة مصرية تدعى أمنية طحيمر، ولكنه طلقها بعد أقل من سنة من الزواج، ولم يعرف عنه سوى السهرات ولم يخض أبدا قصص الحب الحقيقي وكان همه الموسيقى فقط والسهرات العابرة، وهو الذي لحن لأم كلثوم رائعة «حب إيه» ولم يكن سنه قد بلغ الثامنة والعشرين عام 1960 ولحن لعبد الحليم حافظ «تخونوه»، ولم يكن قد بلغ سن السادسة والعشرين عام 1957، قبل أن يلحن لوردة في يوليوز عام 1962 لتبدأ قصة حب بلحن وتبعه انفصال وردة عن زوجها العسكري الجزائري في نفس الشهر، وهجرتها إلى مصر في غشت ثم المفاجأة الكبرى بزواجها في شتنبر من بليغ حمدي في حفلة أقيمت في بيت الراقصة الشهيرة نجوى فؤاد، وحتى يوم زواجها بقي لغزا محيرا حيث كانت نجوى فؤاد تحتفل بزواجها فدعت صديقها بليغ حمدي وصديقتها وردة الجزائرية لعرسها، لتتفاجأ بإعلان بليغ حمدي عن رغبته في الارتباط بوردة، وتحول الإعلان في دقائق إلى حفلة زواج في بيت نجوى، لتتناقله الصحف بشكل فاجأ الجزائريين الذين علموا بزواجها عبر جريدة الشعب، ولم يكونوا يعلمون أصلا بأنها طلقت وهاجرت إلى مصر.
باعتراف وردة الجزائرية وعدد من الذين زاروا فريد الأطرش في القاهرة، فإنه لا يوجد مطرب كان يحب الجزائر مثل فريد الذي زارها قبل الثورة فحط رحاله بكل مدنها الكبرى مثل وهران والعاصمة وقسنطينة وعنابة وهذا قبل أن يؤدي أغنيته الشهيرة بساط الريح التي ذكر فيها عددا من الدول ولم يذكر الجزائر في أواخر الخمسينيات، وجاءت زيارة فريد عام 1952 كحدث عظيم.
لكن فريد الأطرش تعرض في قسنطينة لهجمة شرسة غير متوقعة، إذ دخل المتفرجون إلى المسرح محملين بالطماطم التي انهالت على جسد فريد الأطرش الذي قرر بعد ذلك إسقاط الجزائر من رائعته بساط الريح، «ليس العكس كما يظن الكثيرون لأن فريد زار فعلا الجزائر قبل أغنيته بساط الريح، وقال فريد الأطرش في آخر كتبه (1972) أنه يحلم بالعودة للجزائر المستقلة وأداء أغنية للبلد خاصة أن علاقة جمعته مع الراقصة الجزائرية ليلى حكيم التي شاركته في ثلاثة أفلام بعد أن استقدمها من باريس، وللأسف توفي فريد الأطرش ولم توجه له الدعوة مع العلم أن «بساط الريح» لم يذكر فيها عدة دول عربية مثل كل دول الخليج العربي واليمن والسودان وليبيا وذكر فيها سوريا ولبنان ومصر وتونس والمغرب والعراق فقط».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى