الرأي

المستقبل للأصلح

الكل في وزارتي التربية الوطنية والتعليم العالي، فضلا عن المهتمين بشأن التربية والتكوين، ينتظرون ما سيحمله الخطاب الملكي لـ20 غشت المقبل. فالوزراء الأربعة تحولوا إلى مجرد مديرين لمندوبية تدبر اليومي، فوزارة بلمختار تدبر الآن امتحانات الباكلوريا وما يستتبعها من عمليات كالتصحيح وإعلان النتائج والتوجيه، سيما مع تبني مسالك جديدة للباكلوريا، ثم أخيرا إخراج مذكرة تنظيمية للدخول الدراسي القادم.
وفي انتظار رد وزارة المالية على عدد المناصب المحددة لتكوين الأساتذة الجدد، فإنه عمليا «سالا العام».
أما وزارة الداودي فهي أيضا منشغلة بالإشراف على مباريات المدارس العليا والمؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود، فضلا عن إحصاء العرض والطلب في الجامعات المفتوحة. وفي التفاصيل البيروقراطية لهذه العمليات كلها تغيب الأمور الاستراتيجية التي سترسم مستقبل قطاع فتتته الحزبية الضيقة إلى أربع وزارات، حيث لكل وزير رهانه «الصغير» الذي لا يتجاوز حدود «مستقبله» السياسي الضيق.
إذن، عدة مؤشرات تجعل من الخطاب الملكي المقبل بالأهمية ذاتها التي كانت لخطاب 2013 في مجال التعليم، فإذا كان هذا الأخير قد وضع الأصبع على الجرح، وبقسوة وموضوعية ونزاهة وتجرد، فإن خطاب غشت المقبل سيحمل معه الحلول الملزمة للجميع، والتي لن تترك لتجار الكوارث فرصة للمزايدات السياسوية على مستقبل قطاع لم يعد يحتمل التجريب.
ومن هذه المؤشرات المنزلقات الكثيرة التي شهدتها مناقشات المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي هذه السنة، بسبب عدم لياقة بعض الأعضاء المحسوبين على الحزب الأغلبي في المجلس، ولنتذكر مثلا التسريبات التي كان يقوم بها بعض أعضاء «البيجيدي» لأشغال المجلس في صحافة الحزب للضغط عليه. ثم الردود غير اللائقة التي صدرت عن لحسن الداودي أثناء مناقشة رأي المجلس لمشروع قانون 001 الذي تقدم به، حيث كان الوزير صريحا في دعم الجامعات الخاصة على حساب الجامعات العمومية، فضلا عن الإقصاء الممنهج لمراكز تكوين الأطر التربوية من القانون، وتحديه في ما بعد لجوهر هذا الرأي بعزمه تقديم مشروعه المرفوض من طرف المجلس بكل علله للبرلمان، ثم تفادي رئيس الحكومة في أكثر من مناسبة تناول فيها معضلة التعليم الحديث عن الرؤية الاستراتيجية التي بلورها المجلس، علما أن مكانته كرجل دولة تفترض دعما لهذه المؤسسات الدستورية بغض النظر عن موقفه الحزبي أو الشخصي، دون أن نغفل الانتقادات الإيديولوجية الكثيرة التي يقوم بها «الجيش الإعلامي» لـ«البيجيدي» لأداء المجلس، وخاصة في مسألة لغات التدريس حتى قبل أن يتعرفوا على رأيه فيها، سيما من طرف جمعية تابعة لحركة التوحيد والإصلاح، نصبت نفسها حارسة للغة العربية في المغرب. كل هذا يرجح التفسير الذي تبناه البعض من أن عمر عزيمان فضل عدم الإعلان الرسمي عن الرؤية الاستراتيجية للمجلس قبل الخطاب الملكي القادم، بالرغم من جهوزيتها، حتى لا يخدش «تجار الهوية» صورتها، ويوفروا شروط فشلها قبل خروجها، مستفيدين من مناخ العدمية الذي يحسنون استغلاله في القطاعات التي لا يسيطرون عليها. لذلك سيتم انتظار هذا الخطاب والذي ينتظر أن يحمل في طياته أهم ما جاءت به هذه الرؤية، ويضمن المجلس، في الوقت نفسه، دعما ملكيا صريحا، يجبر تجار الحزبوية والنقابوية على توقير واحترام هذه المؤسسة الدستورية.
وما مطالبة عمر عزيمان في الكلمة التي قرأها أمام الملك محمد السادس أثناء تقديمه للرؤية الاستراتيجية، بسن قوانين تلزم الجميع بما جاء في الرؤية إلا دليلا على أن المجلس في حاجة لدعم أكبر، ودليلا أيضا على أن قطاعي التعليم العالي والتعليم المدرسي مقبلان على تغييرات كبيرة بعد هذا الخطاب، سيما أن وتيرة العمل الحالية، في ظل وجود وزارتين وأربعة وزراء، فضلا عن هياكل وزارية متجاوزة، ووجود مسؤولين مركزيين أثبتوا فشلا ذريعا في المهام التي أوكلت إليهم في المحطات السابقة، تثبت الحاجة لعمليات جراحية شجاعة.
فما حمله التقرير التقييمي الذي أنجزته الهيئة الوطنية للتقييم، والذي تناول ثلاث عشرة سنة من تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، لا يعري فقط ضعف الإجراءات المتخذة في تطبيق هذه الوثيقة الهامة، بل وأيضا ضعف المسؤولين الذين أوكلت إليهم مهام تنفيذ مشاريعه، وأغلبهم للأسف موجود في كلتا الوزارتين.. لذلك حانت ساعة التغيير، فالمستقبل للأصلح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى