حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةتقارير

الموسم

يسرا طارق:

مقالات ذات صلة

 

سواء في مهمات عمل أو زيارات شخصية عشت أجواء الكثير من المواسم الدينية الكبرى، ربما لا يعرف الكثير من أهل المدن، خصوصا من الأجيال الحالية، أهمية الموسم في الحياة القروية وفي البلدات الصغيرة، إنه حدث كبير، ينتظره الناس سنة كاملة ليصلوا الرحم في ما بينهم، وليتبركوا وليفرحوا، وليستمتعوا وليتفرجوا في الفروسية وفي السهرات التي تقام طيلة أيام الموسم. الموسم إرث ديني وثقافي ضارب بجذوره في التاريخ الحضاري للمغرب، وهو أحد التجسيدات البالغة لزمن مغربي ممتد.

تبدأ إقامة المواسم في فصل الربيع، وتستمر حتى بداية فصل الخريف، وهي المدة التي يكون فيها الطقس مناسبا، ويكون فيها أهل القرى قد جمعوا محاصيلهم وأمنوا مدخولًا سيواجهون به تكاليف السنة القادمة. تقام المواسم الدينية، عادة، للاحتفاء الجماعي بولي صالح وتنظيم ما يشبه زيارة جماعية للتبرك بضريحه، ولفهم هذا الطقس لابد من الإشارة إلى أن معظم القبائل المغربية كانت في الماضي مرتبطة ببركة ولي من الأولياء، وتحرص كل سنة على تنظيم زيارة له، من هنا نشأت معظم المواسم الدينية، فبما أن فرقا قبلية كانت تتنقل، ومن أماكن بعيدة أحيانا، لضريح الولي، فهي قد تجر معها فرقا أخرى مما ولد مواعد قارة سنويا لهذه الزيارات، ولعل أقدم موسم ديني في المغرب هو موسم أبي يعزى آل نور (مولاي بوعزة) الذي جسد بحق خصوصية التصوف المغربي المرتكز على مقومات شعبية، يمكنها أن تتوفر في أي شخص، غير أن المواسم في المغرب لا تقام كلها من أجل الزيارة والتبرك، فهناك مواسم، وإن أقيمت قرب ضريح ولي صالح، فلها أغراض أخرى، مثل موسم الخطوبة في إملشيل، وموسم العهد بين بعض فرق قبيلة بني عمير، وموسم الرمان في أولاد عبد الله، وموسم طانطان وموسم مولاي عبد الله أمغار الذي يمنح لبعض مرتاديه فرصة للتخييم في الشاطئ. الموسم ليس حاجة دينية وترفيهية فقط، إنما هو أيضا حاجة اجتماعية واقتصادية تُؤَمِّنُ بها كثير من الأسر مدخرات لابأس بها.

كل ما تحتاجه تجده في الموسم، إنه العالم حين يأتي للقرية في أيام، هناك أولا الفروسية، ولا موسم يستحق هذا الاسم لا تجري فيه الخيل ويطلق فيه الفرسان بارودهم، الفروسية هي ملح الموسم وركيزته، فيها تتنافس القبائل بِسُرَبِها ولباس فرسانها وسروج خيلها، وتتنافس أكثر بقدرة سربتها على أن تكون منسجمة تطلق بنادق فرسانها طلقاتها في لحظة واحدة. على القبائل أن تظهر قوتها في الخيمة الكبيرة التي تنصبها، وفي الطعام الذي تقدمه، وهناك مدينة الملاهي حيث تتصادم السيارات الكهربائية الصغيرة، وحيث يطوف صاحب الدراجة النارية في جدار دائري، وهناك أصحاب لعب الحظ المختلفة، وهناك المحتالون. الموسم أيضا هو مكان لبيع كل شيء من الأثواب إلى قلل الطين، وهو الأطباء الذين يشفون كل الأمراض بمشروب سحري يبيعونه بأبخس ثمن، وهو أصحاب الحلاقي الذين يقدمون فرجاتهم وسط صخب عظيم. كل من يأتي للموسم يأتي من أجل تحقيق رغبة ما، ويحقق تلاقي الرغبات وتشابكها، وتعارضها أحيانا، مسحة السحر التي تحس بها وأنت تسير وسط أناس يبتهلون، ويرقصون ويغنون، ويغتنمون كل لحظة في موسم لا يدوم إلا بالقدر الذي يدوم فيه إقدام سُربة خيل وإدبارها.

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى