شوف تشوف

الرئيسية

النضال السلمي ومعناه

في يوم وبعد مقتل الشيخ ياسين، رحمه الله، دعوت الفلسطينيين إلى ثلاث، ولكن مثلي مثل من يؤذن في مالطة كما يقول المصريون، فما هي المواعظ الثلاث؟

أولها التخلي عن المقاومة المسلحة واعتماد المقاومة السلمية. والتخلي عن القتل والقتال الذي يسميه البعض شهادة، ويعتبره الآخر جريمة، وثالث يعده انتحارا. والعبرة ليست في الأسماء بل النتائج، وأسلوب القتل لا يأتي إلا بالقتل.

وثانيا التخلي عن فكرة (الدولة الفلسطينية)، لأنها وهم وخرافة، وفي حال ولادتها فلن تزيد على نظام عربي قمعي جديد. والسلطة الفلسطينية برعت منذ الآن في إنتاج عشرات الأجهزة الأمنية، ولم يتمكن الفلسطينيون حتى اليوم من إيجاد انتخابات حرة.

والأمر الثالث وهو الأهم: إنتاج جيل جديد يؤمن بـ(العلم والسلم)، فمنه يرتفع الإنسان. والعالم اليوم طلَّق القوة. وفي الشمال في أوروبا جربوا الحروب الدينية والقومية والعالمية، فوصلوا إلى نتيجة حاسمة أن الحرب والقتل لا يحلان المشاكل، بل يوجدان المشاكل. ومن أوكرانيا يأتينا الخبر اليقين، فقد بدأ بوتين الحرب في 24 فبراير من عام 2022 وها نحن على مشارف العام الثاني من الحرب، وقد تستمر عشر سنوات عجاف، فإلى أين انتهت؟ لقد دخل بوتين في الوحل الأوكراني ببوطين، وسيخرج منه حافيا ببوط واحد، والثاني ستضرب به ناصيته ناصية كاذبة خاطئة. وهو يهدد بالصواريخ النووية، ويعلم علم اليقين أنها أسلحة ليست للاستخدام.

وأوروبا اليوم تتحد ليس تحت شعار هتلر (ألمانيا فوق الجميع)، بل ألمانيا مثل الجميع. ويتحد حاليا أكبر تجمع إنساني عرفه الجنس البشري من 27 دولة، يضم 500 مليون من الأنام. ويتحد الجميع بكلمة السواء، فلا أحد أفضل من أحد. وهي بذرة اتحاد إنساني قد تضم للمستقبل كل دول الأرض. وتحاول تركيا جاهدة أن تدخل في هذا الاتحاد، وكانت سابقا تحاول فتح أوروبا بالسيف العثماني، واليوم تقول لأوروبا: تعالي وافتحي بلادنا وخذينا إليك، وأوروبا مترددة. ولم ينج رأس أوجلان الكردي لولا نداء أوروبي.

وكلامي هذا لن يستفيد منه العنفيون أو الطامحون إلى كراس وهمية من السلطة، أو المغفلون ممن يستخدمون وقودا لحرائق لا نهاية لها. وقد يستفيد منه بعض الباحثين عن الحقيقة ممن يمارسون النقد الذاتي. وإنه لذكر ولقومك وسوف تعلمون.

فأما المقاومة السلمية، فلأنها أسلوب إنساني وأخلاقي واقتصادي. منه يتحرر الإنسان من علاقات القوة، ومنه يحيا ضمير الخصم على طريقة ابن آدم الأول فأصبح القاتل من (النادمين). والندم هو التوبة والتراجع عن الخطأ. فموت الأول كان سببا في حياة ضمير الثاني. ويمكن بهذا الأسلوب بناء الديموقراطية داخليا. فلا يمكن اجتماع العنف مع الديموقراطية، إلا إذا تصورنا اتحاد الماء والنار وامتزاج آدم والشيطان. فمن اعتاد قتل العدو سوف يقتل غدا الصديق.

والصومال وأفغانستان والجزائر وسوريا وليبيا تخلصت من الاحتلال الأجنبي، ولكنها عجزت عن بناء دول ديموقراطية. وحزب الله طرد إسرائيل من جنوب لبنان يوما، لتقوم اتفاقية حدود دولية تمنع عبور الإنس والجان، وحزب الله كما ظهر التهم لبنان في ساعات، ولن يبني مجتمعا سلميا ديمقراطيا. وهذا يشرح أن الاستعمار جاء إلينا بسبب القابلية للاستعمار، ولا يعني جلاء الاستعمار التخلص من القابلية للاستعمار.

واليوم يوجد من صنوف الاستبداد في العالم العربي ما يتحسر المواطن العربي على زوال الاستعمار الأجنبي، ويتمنى أن لم يرحل. ونظام البراميلي السوري قتل مليونا وهجر 15 مليونا من الأنام، وما حدث في العراق يروي طرف هذه المأساة، حينما تم الاستعانة بالأمريكان للخلاص من حكم العربان. والانهيار السريع لنظام صدام خلفه مشكلة الاستعمار الداخلي. وبذلك جمع العراقيون حاليا بين الاحتلال الخارجي وبقايا السرطان الداخلي، مثل السل والإيدز. وهي أزمة عميقة يصعب التخلص من قبضتها.

وهناك من يرى أن قتال حزب الله في لبنان كان جهادا في سبيل الله يجب الاقتداء به، وهو أمر لا علاقة له بالجهاد، لعدم فهمنا كيف يعمل الجهاد وبيد من وضد من. وعندما قاتل تشي غيفارا في غابات بوليفيا لم يكن جهادا، بل مقاومة على طريقة الثورة الفرنسية. والفرق كبير حتى من الناحية التكتيكية البحتة بين مقاومة جنود قليلين على شريط حدودي سخيف، وبين تفجير المدنيين في مجتمع يعد بالملايين ارتبط بالأرض، وساهم كل الغرب في ولادته وصيانته ومده بأسباب البقاء، فلا يستويان مثلا. وهو خطأ يذكر بخطأ الإخوان المسلمين، حينما لاح نصر الثورة الإيرانية عام 1979م، فجربوا أن يكرروا الأمر في سوريا.

والفرق هائل بين الثورة الشعبية في إيران واستخدام تكتيك المقاومة السلمية بالإضرابات والمظاهرات في وجه حكم الشاه، فنجح الإيرانيون حين فشل السوريون وما زالوا. وهو أمر متوقع عند من لا يستوعب دروس التاريخ. ولو اعتمد الناس تكتيك المقاومة السلمية، لجنبوا البلد كارثة وولد نظام سلمي ديموقراطي، ولكن ليبلوكم في ما آتاكم. وكلامي هذا لن يقنع المتصلبين، ويمكن فهم ما كتبه الكواكبي، قبل مائة عام، أن ننتظر ولادة جيل جديد محرر من هذه المفاهيم السلبية.

وهناك من يرى أن القتال المسلح في فلسطين جهاد في سبيل الله، وهو أمر لا علاقة له بالجهاد. فالجهاد مؤسسة تنبثق من نظام إسلامي وصل إلى الحكم برضا الناس ويستخدم القوة المسلحة، وفق سياسة شرعية، لإيجاد حلف عالمي من أجل رفع الظلم عن المظلومين.

وهذا يعني أن الجهاد بمعناه القتالي قد يستخدم بيد نظام عادل ضد حاكم مسلم ظالم، لنجدة مظلوم غير مسلم. وهو يعني من باب أولى أن الجهاد يجب أن يشرع ضد أنظمة عربية كثيرة انتهكت حقوق الإنسان. ولكن من سيخوض هذه الحرب لنصرة المظلومين الذين يقولون أخرجنا من هذه القرية الظالمة أهلها واجعل لنا من لدنك وليا، واجعل لنا من لدنك نصيرا؟

 خالص جلبي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى