الرأي

تجارة بيع «الهواء»

يونس جنوحي
عندما جاء المستكشف الفرنسي «إدمون دوتي» إلى المغرب، كتب أن البلاد تزخر بالثروات. بل وأحصى تقريبا مع فريقه من المستكشفين بينهم علماء وعسكريون حتى الأضرحة. الرحلة التي استغرقت أشهرا طويلة بدأت من نواحي وجدة وتوقفت قرب مراكش، ولم يتوغل في اتجاه الجنوب مكتفيا بوصف ثروات «المغرب النافع»، الذي حاولت فرنسا تكريسه منذ بداية القرن العشرين.
وقبل هذا المستكشف الفرنسي الذي تعلم في الجزائر، كان هناك رجل مغربي قرر أن يغادر المغرب ما بين سنتي 1860 و1880 ليستقر في بريطانيا ويتعلم اللغة الإنجليزية نطقا وكتابة ويتفرغ لكتابة الكتب والمقالات في الصحافة البريطانية. هذا الرجل اسمه موسى أفلالو، وكان مجرد تاجر بسيط في مدينة فاس، شأنه شأن الحرفيين الآخرين.
وهذا التاجر اختار أن يهرب من المغرب عندما أفلست تجارته، وحاول الاستثمار في شخصيته بدل البحث عن بضاعة جديدة يعود بها إلى ميناء الجديدة لبيعها.
عندما ترقن اسم «موسى أفلالو» في أرشيف المكتبات البريطانية، ستجد كتابا بارزا له يتحدث عن الثروات الطبيعية في المغرب. إذ إن هذا التاجر باع بريطانيا معلومات تسهل عليها استعمار المغرب.
وقبل أن يرتكب موسى جريمة في حق بلاده ويقدم معلومات استخباراتية دقيقة عن المغرب وتضاريسه ومناطقه، على شكل كتاب للحكومة البريطانية، كان من دهاء مستشاري المولى الحسن الأول، أنهم طلبوا منه خلال زيارة إلى لندن، أن يعود معهم إلى المغرب حتى يستقبله السلطان بنفسه، وهناك ربط صداقة مع الوزير الأول المغربي وباعهم وصفة بريطانية للقضاء على الجراد وحماية المحصول الفلاحي لتلك السنة (1884).
يقول أفلالو في كتابه إن هضاب شمال المغرب تصلح لإقامة طواحين الهواء واستغلالها في إنشاء شركات المطاحن، التي ازدهرت في أوروبا وقتها. كما شكك في أن تكون الهضاب الممتدة من العرائش على طول الشريط الساحلي صوب الرباط حافلة بمادة الإسمنت، التي كانت وقتها ثورة حقيقية في مجال البناء.
كان كل الوزراء المغاربة لا يتحدثون إلا عن دهاء موسى أفلالو وذكائه الذي جعله يتحول من تاجر بسيط يهش الذباب على «حانوته» الصغير، إلى مؤلف ومستشار لدى الحكومة البريطانية، حتى أنه نسي الجلباب المغربي واستبدله بالبدلة الأنيقة والساعة الذهبية والنظارات الطبية وأصبح «مثقفا» جديدا يكتب وينظر عن المستعمرات المستقبلية للتاج البريطاني.
هناك اليوم قصص أخرى لأناس ساروا على نهج أفلالو، لكنهم لم يبيعوا المغرب لأحد. مغاربة يوجدون اليوم في لجان بمؤسسات دولية كبرى تكتب التقارير عن كل دول العالم. منها لجان تتبع اللقاح ضد كورونا، وأخرى تابعة للبنك الدولي تتابع مصير الاتفاقيات الدولية والالتزامات الاقتصادية.
عندما قال «أفلالو» إن هضاب المنطقة الشمالية تصلح لتوليد الطاقة الريحية، لم يكن وقتها على علم بأن تلك الطاقة تصلح أيضا لتوليد الكهرباء.
وها نحن اليوم نرى كيف أن المغرب يستثمر فعلا في إنتاج الطاقة الكهربائية التي تنتجها المراوح المتطورة، والتي تمتد على مسافات طويلة بين تطوان وطنجة، وفي مناطق أخرى جربت فيها المراوح تدريجيا وظهر أن كمية الإنتاج واعدة جدا.
الطاقة التي يتم إنتاجها سنويا تكفي لتغذية مناطق بأكملها بالطاقة الكهربائية النظيفة دون توليد ضغط على الشبكة الأساسية، خصوصا مع تزايد الطلب أخيرا عليها.
ورغم كل هذا، لا يزال بعض النواب الذين يمثلون المناطق المعزولة في المغرب غائبين عن منطق الاستثمار في ما تحتاجه المناطق التي يمثلونها في البرلمان، ولم يظهر لهم أثر إلا عندما أثير النقاش حول «قانون تقنين زراعة نبتة الكيف». وهؤلاء تحديدا سبقوا المستكشف «إدمون دوتي» وتاجرنا «أفلالو»، وفهموا أن التجارة التي سوف تعود عليهم بالمنفعة في المغرب هي بيع «الهواء».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى