
تزامنا مع فاجعة انهيار بنايتين التي أودت بحياة 22 شخصا بمدينة فاس، يتم تداول صور عبر مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف المدن، تظهر عمارات وبنايات عشوائية تتكون من صناديق إسمنتية موضوعة بشكل عمودي، يقطنها مواطنون تم ترحيلهم من صناديق صفيحية كانت منتشرة بشكل أفقي، وأصبحنا أمام ظاهرة جديدة، هي بنايات عبارة عن «كاريانات» عمودية.
الكارثة، التي وقعت بمدينة فاس، مرتبطة بإعادة إيواء قاطني دور الصفيح. فبالنسبة لحي المسيرة بمنطقة زواغة، فهو حي سكني استفادت معظم ساكنته من بقع أرضية في إطار القضاء على حي صفيحي كان يوجد في ضواحي حي «بندباب»، المعروف بحي (كهف العزبة)، وتم توزيع بقع أرضية على المستفيدين تتراوح مساحتها بين 70 و100 متر مربع، مرخصة لبناء شقتين وطابق أرضي، إلا أن مجموعة من الخروقات طالت عملية الترحيل، وتحول هذا الحي إلى بنايات عشوائية تضم عمارات مكونة من أربعة إلى خمسة طوابق في غياب تام للسلطة.
أما بالنسبة لحي المستقبل، الذي كان مسرحا للفاجعة، فهو حي جديد تم إحداثه فوق تجزئة سكنية كانت مخصصة لإعادة إيواء قاطني حي صفيحي يسمى دوار «عين السمن»، حيث استفادت الأسر في سنة 2007 من بقع أرضية تتراوح مساحتها بين 65 و70 مترا لكل أسرتين، بغرض بناء شقتين بالإضافة إلى طابق أرضي، لكن «مافيا» العقار دخلت على الخط وحولت هذا الحي إلى عمارات عشوائية تضم خمسة طوابق أو أكثر مع تقسيم كل طابق إلى شقق صغيرة تشبه صناديق إسمنتية.
هذا الوضع يحيلنا إلى الاختلالات التي تشوب تنفيذ البرنامج الوطني «مدن بدون صفيح»، الذي جرى إطلاقه سنة 2004، في إطار سياسة الدولة في مجال محاربة السكن غير اللائق، وكان الهدف المعلن لهذا البرنامج معالجة 270 ألف أسرة قاطنة بمختلف مدن الصفيح في 70 مدينة ومركزا حضريا، لكن الغريب في الأمر أنه منذ انطلاق البرنامج لوحظ أن عدد الأسر استمر في الارتفاع، وبقيت مدن الصفيح منتشرة بهوامش المدن، فانطلاقا من هدف 270 ألف أسرة تم إحصاؤها سنة 2007، وصل هذا العدد إلى ما يقارب 500 ألف خلال هذه السنة، أي بزيادة تفوق 80 في المائة، مقارنة بالهدف الأولي، وبمتوسط زيادة سنوي يزيد عن 10 آلاف أسرة.. وهكذا، وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلت والتي مكنت من معالجة حوالي 300 ألف أسرة، لا يزال البرنامج يواجه صعوبة في المضي بالسرعة المطلوبة لتحقيق الأهداف المحددة والتمكن من القضاء النهائي على أحياء الصفيح.
هذه الأرقام تؤكد أن برنامج مدن بدون صفيح لم يحقق أهدافه، وتحول إلى بقرة حلوب من طرف المنعشين العقاريين الذين استفادوا من ملايير الدراهم في شكل دعم وامتيازات ضريبية، كل ذلك على حساب مآسي مواطنين لا حول لهم ولا قوة.
لذلك، فإن الأمر يتطلب تحقيقا شاملا لتحديد المسؤوليات في مصير الأموال العمومية التي خصصتها الدولة لبرنامج لم يحقق أهدافه، ومحاسبة تجار المآسي مهما كانت وظيفتهم.





