شوف تشوف

الرئيسية

تفاصيل الاستجواب المثير لعميد شرطة ممتاز جاء للشهادة وأحرجه عبد الرحيم بوعبيد

لم تكن النيابة العامة لتقف مكتوفة اليدين، وهي ترى كيف أن كل المتهمين في المحاكمة، يتراجعون عن أقوالهم المسجلة في المحاضر ويؤكدون لرئيس المحكمة أن الأقوال التي بين يديه قد انتزعت منهم في وقت سابق تحت التعذيب وبالإكراه.
هنا، توجد حقيقتان مترابطتان. إذا عدنا لأغلب ما قيل وما كتب عن محاكمة مراكش وأحداث 1969 و1970، فإن أغلب الذين عاشوا تلك الأحداث قدموا روايات متماسكة تلتقي فيها حكاياتهم، وتترابط بشكل يجعلها منطقية على الأقل. والحقيقة الثانية أن أغلبهم قدموا شهادات في حق بعضهم، ولم يكن هناك أي تناقض فيما بينها، وهو ما لا يدع مجالا للتشكيك في مصداقية ما يروى من وقائع ترتبط بتلك المرحلة. والدليل يوجد فيما رواه الحبيب الفرقاني، قيد حياته، وما كتبه سعيد بونعيلات، أو محمد أجار، وهو الاسم الحقيقي الذي كان مسجلا به، بينما بونعيلات كان مجرد لقب أطلق عليه، ولم يكن يعرفه إلا قدماء المقاومة، حتى أن بعض المتهمين الأبرياء، كانوا لا يعرفون من يكون «بونيعلات» وأصر قاضي التحقيق على إجبارهم للاعتراف بعلاقتهم به، ولم يكونوا يعرفون أن الأمر يتعلق بشخص واحد يحمل اسمين.
حوار غير عادي
تذكر المحاضر أن جلسة 25 غشت شهدت لعبة جديدة من النيابة العامة عندما بادر ممثلها إلى استدعاء عميد شرطة ممتاز كان اسمه الحمياني، للشهادة، ويقول إنه كان مكلفا بالاستنطاق في مراحل متفرقة من قضية اتهام المتابعين بالمساس بأمن الدولة والتخطيط لأعمال تخريبية.
افتتحت الجلسة إذن في التاسعة صباحا والربع، وبادر ممثل النيابة العامة إلى تذكير القاضي بأن السيد الحمياني موجود داخل القاعة، وهكذا سمح له القاضي باستدعائه بالإسم للمثول أمام المنصة. وهذا ما جاء في المحضر. وهكذا دخل المحامي عبد الرحيم بوعبيد على الخط لاستجواب عميد الشرطة بخصوص ملابسات وقائع استنطاق المتهمين، ولا يخفى عليكم بطبيعة الحال أن الأمر يتعلق بإثبات تعرض المتهمين للتعذيب والإكراه على توقيع المحاضر من عدمه. لنتابع:
«-الحمياني: 1936 بفاس. يسكن بالإدارة العامة للأمن الوطني. عميد شرطة ممتاز (بعد أداء اليمين القانونية).
-عبد الرحيم بوعبيد: نطلب من السيد الحمياني أن يؤكد هل هو ضابط الشرطة الذي كان مشرفا على الاستنطاق في مراحله المتعددة بهذه القضية.
-الشاهد: أنا رئيس الفرقة الوطنية وأنا الذي كنت أشرف على البحث في جميع مراحله.
-بوعبيد: بالنسبة للفوج الأول من المعتقلين الذي بدأ يوم 16 دجنبر 1969. كم دام الاستنطاق معهم؟
-الشاهد: يتبين من المحاضر تاريخ الاستنطاق. تجدون في المحضر تاريخ بداية الاستنطاق وتاريخ الانتهاء منه.
-بوعبيد: هذا شيء قمنا به. ولكن هناك تصريحات للمتهمين تقول إنهم دخلوا السجن العسكري في أوائل أبريل 1970. في حين أن تقرير الشرطة تقولون فيه إنهم بقوا تحت حراسة الشرطة إلى يوليوز 1970. على أي أساس استطعت إدخالهم السجن العسكري.
-الشاهد: لست أنا الذي أدخلتهم إلى السجن العسكري وإنما أحلتهم على النيابة العامة.
-بوعبيد: هذا غريب. أنت تقول في إحدى تقاريرك كمثال تقول إن الحبيب الفرقاني بقي تحت حراسة الشرطة. بمعنى أنهم بقوا كل هذه المدة في حراسة الشرطة.
-الشاهد: من المحاضر يتبين أني قدمتهم للمحكمة يوم 6 يوليوز ولم يكن تقديمهم في غير ذلك التاريخ.
-بوعبيد: هذا يتناقض تماما مع تصريحات المتهمين. إذا رغب الرئيس أن يستفسر أحد المتهمين فسيتبين متى دخلوا السجن العسكري.
-الشاهد: أثناء فترة الاعتقال الاحتياطي لا يمكنني أن أقدم شخصا للسجن العسكري قبل إنهاء البحث.
-بوعبيد: قلت إنك قدمتهم للنيابة العامة بالرباط. كيف تمت عملية التقديم؟
-الشاهد: عادة قبل تقديم ما يزيد عن مائة وثلاثين شخصا فلا يمكن تقديم هذا العدد في نفس الوقت وإنما نقدم له المحاضر. فينظر فيها هل من اختصاصه أم لا ويقترح علينا آنذاك كيف يتم التقديم. لما قدمنا له التقارير رأى أن الأمر ليس من اختصاصه. فصرح بعدم الاختصاص وتوجهنا عند وزير الدفاع.
-بوعبيد: أين كان المتهمون آنذاك؟
-الشاهد: كانوا عندي.
-بوعبيد: هل تؤكد أنهم بقوا عند الشرطة. فالذي يتبين من تعليقكم الآن أنكم قدمتم المحاضر فقط. بينما في المحاضر تقول إنكم قدمتم المتهمين أمام وكيل الدولة في الرباط.
-الشاهد: إن عملي كان تحت إمرة وكيل الدولة. فقانون المسطرة الجنائية يسمح لي بأن أطلق سراح الشخص الذي لم يثبت في حقه شيء. وأؤكد أني لم أقدم المتهمين لوكيل الدولة وإنما قدمت له المحاضر».
..وبدأت الأوراق تتساقط
في الحلقة المقبلة سنكمل بقية الحوار الساخن بين دفاع المتهمين ممثلا في عبد الرحيم بوعبيد، وبين الشاهد، الذي استدعته النيابة العامة بصفته رجل الأمن القوي الذي أشرف على المراحل التي مر بها المتهمون. لكن بوعبيد لم يكن عابئا بالمهمة الرسمية لعميد الشرطة الممتاز بقدر ما كان متهما بالبحث عن مواطن التناقض بين الرواية الشفهية التي يقدمها وبين ما جاء في المحاضر، محاولا ضبط التواريخ لصدم الشاهد والنيابة العامة بالفراغات الزمنية غير المبررة، والتي كان فيها المتهمون يتعرضون للتعذيب في الأقبية السرية، إذ أن الفرق بين تواريخ الاختطاف التي قدمها المتهمون وعائلاتهم، تتفاوت مع تاريخ الإعلان الرسمي والقانوني عن اعتقال ومتابعة المتهمين.
كانت القاعة تتابع المشهد بكثير من الانتباه، خصوصا أن عميد الشرطة كان متماسكا، ولم يقبل أن يرمي الكرة في ملعب وكيل الدولة أو النيابة العامة، ودافع باستماتة عن كونه اكتفى بإحالة المحاضر كما ينص القانون، وأنه أيضا احتفظ بالمتهمين عنده، لكن روايته للأسف، كانت قابلة للطعن بسهولة، ليس من قبل الدفاع فقط، وإنما من قبل المتهمين أيضا، الذين كان أغلبهم، يعرفون جيدا المناطق التي عذبوا فيها والأقبية التي قضوا فيها أسابيع مظلمة في انتظار التحقيق معهم.
ونحن نقترب من نهاية هذه الحلقات، سنواجه المراحل الأخيرة من المحاكمة، مع ما قيل عنها بعد عقود طويلة (أكثر من أربعين سنة) على طي صفحتها نهائيا، بأخطائها وأحكامها التي قيل عنها إنها كانت ظالمة ومجحفة، ولحسن الحظ فإن عفوا أعقبها، لاحتواء المشكل الذي انطلق في إطار حرص الدولة على أمنها الداخلي وانتهى بمصادرة حرية أشخاص تبين لاحقا أنه لم تكن لهم أي علاقة بمخطط كان يُطبخ في الخفاء.
وحتى لا تضيع الخيوط، سنكمل أولا الحوار الساخن بين عبد الرحيم بوعبيد، الذي كان قد استأثر في تلك الجلسة بثلثي النقاش تقريبا، ولم تتعبه ساعات الجلسة التي كان طولها يزداد بتمدد ساعات الصيف الذي كان يشارف على الانتهاء، بعد أن كان لاحفا لكل الذين زاروا مراكش لمتابعة الجلسات الساخنة.
كيف سينقذ عميد الشرطة نفسه من فخاخ عبد الرحيم بوعبيد، وكيف سيبرر التناقضات الزمنية بين الروايات المقدمة في المحاضر الرسمية، والموقع عليها من طرف المتهمين والنيابة العامة أيضا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى