شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةشوف تشوف

تواخير الزمان

العالم المتقدم كله منشغل بمؤامرة الذكاء الاصطناعي وتبحث دوله كيف يمكنها حجز مكان لها في هذا العالم الجديد الذي يلوح في الأفق حيث الآلة ستعوض البشر في كثير من مناحي الحياة المهنية والخاصة، ونحن منشغلون بالمؤامرة التي يحيكها الدكتور الفايد وعصيد ضد العقيدة الدينية للمغاربة.

ومن كثرة ما أعطوا لهذا الرجل البسيط أكبر من حجمه فقد دفعوه لكي يفقد صوابه، فأصبح يسمي نفسه ملك علم التغذية، ويدعي أنه عندما يكون شيء يتهدد البشرية دائما يتدخل، وأن صحافيين أمريكيين أخبروه أن الصيادلة المغاربة، الذين يستعد أغلبهم لإشهار إفلاسه، هم من يقود الحرب ضده إضافة إلى صف السحرة والرقاة والشياطين.

الفايد كان إلى حدود 2005 نكرة يعيش في بيت متواضع بحي لالة مريم في مدينة ابن سليمان قبل أن ينتقل إلى حي كريمة، وكان خلال تلك الفترة يبيع خلطات الأعشاب وبول الجمال والعسل ويرسل الناس لحصص العلاج بلسعات النحل عند معارفه. وشخصيا أعرف مريضتين كانتا مصابتين بالسرطان تسبب في وقف علاجهما الطبي وتابع معهما علاجا بخلطات الأعشاب فماتتا خلال بضعة أشهر من وقف العلاج واستعمال خلطاته.

بعد سنوات قليلة من تجارة العسل والأعشاب وبول الجمال استطاع أن يشتري ضيعة لتربية الأبقار، لكنه عندما اكتشف أن عائدات الأدسنس في اليوتوب يمكن أن تصل عشرة ملايين في الشهر تفرغ لتصوير الفيديوهات حول مكونات الطعام التي يمكن أن يعثر عليها أي واحد في ويكيبيديا، ثم لسعته ذبابة لا أحد يعرف كيف اقتحمت عليه عالم النحل الذي يعيش فيه فقرر أن يعلن نفسه الرسول الذي يبعثه الله على رأس كل مائة سنة لكي يجدد للأمة دينها، وهنا اكتشف متابعوه مصدومين آراء ومواقف وتفاسير في الدين عجيبة غريبة، فقالوا يا ليته بقي في القنارية والرجلة والكرنينة وبرزطم وترك عنه أمور الشريعة لأهلها وفقهائها الذين درسوها وخبروها.

والحقيقة أننا اليوم بحاجة في وسائل التواصل الاجتماعي للأئمة والوعاظ الدينيين الذين يستطيعون ببساطتهم وثقافتهم الواسعة وانفتاح أفقهم، وأحيانا حس السخرية المغربية لديهم، أن يتحاوروا مع مراهقي وشباب اليوم ويشرحوا لهم أمور الشريعة. لسبب بسيط وهو أن الوازع الديني محرك أساسي لدى الشخصية المغربية أكثر من الوازع القانوني.

يعطي المغربي أهمية لأحكام الحلال والحرام في حياته اليومية ومعاملاته الاجتماعية والمهنية أكثر مما يعطيه لما هو قانوني أو غير قانوني. وهذا ما يفسر ازدراء المغاربة للقوانين والبحث الدائم عن طريقة ما لخرقها، ومهما أتعبت نفسك في شرح عدم قانونية شيء معين فإن الجملة التي تسمعها دائما هي «وغي شوف كي دير».

لذلك فالتربية الدينية تبقى الحاجز الوقائي ضد الممنوع والمباح، وأيضا، وهذا هو المهم، تبقى حاجزا ضد شيوع الأمراض المرتبطة بنقص النظافة. وهذه مشكلة عويصة يعاني منها أبناء وبنات اليوم. فالمراهق الذي تربى على الصلاة يتعود، فضلا عن الانضباط وحس المسؤولية، على الوضوء والطهارة التي هي عمق الإيمان، وهي تشمل طهارة البدن وطهارة الثوب وطهارة المكان، ولا تقبل صلاة الإنسان إذا لم تتحقق هذه الطهارة الثلاثية. وعندما نقول الوضوء نقول الاستنجاء بالماء، وليس بالكاغيظ. اليوم هناك معاناة كبيرة للآباء مع أبنائهم وبناتهم بسبب انعدام حس الطهارة والنظافة لديهم، فجيل «نوتيلا» تشهد عليه ملابسه الداخلية التي يتركها في غرفة الصابون، وهي شهادة مخجلة تكشف حجم الخراب الذي أصاب النظافة الخاصة لهذا الجيل التائه.

ولذلك فالعودة للأصل في ما يخص الدين مسألة حاسمة لإعادة الأجيال القادمة نحو الصواب، وإلا فإنهم سيتبعون نماذج غربية حتى الغرب نفسه أصبح يرفضها وينادي بالعودة للجذور المسيحية. والشيء نفسه بالنسبة لليهود الذين لا يفرطون في دينهم أينما كانوا. وحدهم المسلمون من يطالبهم الجميع بالانسلاخ عن دينهم واعتناق الغرب.

إننا بحاجة لتحصين الأجيال القادمة وحمايتها من الغزو الروحي والثقافي والهوياتي الذي يتهددها، فنحن نعيش زمنا اجتمع فيه قوم عاد الذين يعيثون فسادا في البيئة ولا يخشون غضب الله وتصريف الرياح ضدهم، رغم أنهم عرفوا ما وقع لقوم نوح قبلهم، ونعيش مع قوم ثمود الذين ينحتون العمارات وناطحات السحاب متطاولين في البنيان، وقوم لوط الذين أصبحت لديهم قوانين تبيح تزاوج الرجال بالرجال والنساء بالنساء، وياجوج وماجوج الذين يتكاثرون بالمليارات ويفسدون في الأرض ولا يصلحون، والقياصرة الذين يريدون استعباد الشعوب، وبني إسرائيل الذين يريدون إعادة بناء الهيكل فوق جماجم الفلسطينيين ويحلمون بإسرائيل الكبرى، ومع المشركين الذين يعبدون الله مع الدولار، والمنافقين الذين يجتمعون في مجلس الأمن ويسيرون مع الجهة الرابحة، وأصحاب الكهف من العرب الذين ينامون لقرون في جهالتهم بينما العالم يتقدم، وعبدة الأوثان الذين يقدسون المجسمات وجوائز الأوسكار، وسحرة فرعون الذين يملكون الصحف العالمية والقنوات الفضائية وشبكات التواصل والذكاء الاصطناعي والذين يلقون أكاذيبهم فإذا هي أخبار تسعى.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى