شوف تشوف

الرأيالرئيسية

جدوى المقاربات الأخلاقية

 

 

رضوان السيد

 

 

مع صعود موجة «عودة الدين» بأمريكا، وأوروبا إلى حد ما، كثرت المقاربة الأخلاقية للمشكلات. وكان ثمة مَن علل ذلك بأن النظام الدولي والقانون الدولي الإنساني قصرا في معالجة المشكلات العالمية المتفاقمة.

والمشكلات العالمية عدة أنواع، منها مشكلة الصراع على المجالات الاستراتيجية، ومشكلات الصراع على الموارد. وهذه الأمور تؤدي إلى نشوب نزاعات مسلحة المفروض أن يتصدى لها مجلس الأمن بالحل أو المعالجة. لكن المجلس معطل في حالة النزاع الروسي الأوكراني، لأن روسيا تملك حق الفيتو على أي قرار. أما في حالة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني فإن مجلس الأمن معطل، لأن الولايات المتحدة تستعمل حق الفيتو دائما لصالح إسرائيل.

وهناك أنواع أخرى من المشكلات حتى مجلس الأمن لا يستطيع حلها، مثل مشكلة تغير المناخ، ومشكلات الاضطراب السياسي والاجتماعي في كثير من البلدان الإفريقية. والنوع الثالث أو الرابع من المشكلات تدخل الدول الكبرى أو الوسطى في شؤون دول أخرى، والسيطرة من خلال ميليشيات محلية أو مرتزقة على مقدرات وقرار تلك الدول.

بدأ هذا التفكير الأخلاقي المفكر الكاثوليكي، هانس كينغ، (توفي 2021) في مطلع التسعينيات من القرن الماضي، حيث قال بأنْ لا سلام في العالم إلا بالسلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان إلا بالإجماع على أخلاق عالمية. وقد رأى كينغ أن التيارات المتطرفة في الأديان صارت جزءا من النزاعات العالمية، ولذا فإن قيم السلام والتضامن والتسامح والتعايش والعدالة والأخوة، وهي قيم يلتقي فيها الديني والمدني، كفيلة بإخراج المتدينين من معترك الخصومة. ثم إن المجتمع المدني العالمي يستطيع التدخل، إلى جانب الجهات الدينية، في الضغط على القوى الكبرى لوقف النار والمذابح. ذلك أن هذه الجهات تصبح قوة كبرى بالفرق الكبيرة للمتطوعين للأغراض الإنسانية، والتربية في المدارس، وإصدار الوثائق الأخلاقية والأخرى الموجهة إلى أصحاب القرار، والمؤسسات المؤثرة ومراكز البحوث، ومجموعات عصف الأفكار. إن كل هذه القوى أخرجت ملايين الناس بأنحاء العالم إلى الشوارع في تظاهرات حاشدة من أجل وقف النار بغزة. وإذا قيل: لكن الحرب لم تتوقف؟ فالإجابة: أن الرأي العام العالمي ما عاد يمكن الاستخفاف به، كما أن كثيرا من الدول تغيرت سياساتها وتوجهاتها تحت وطأة الرأي العام في بلدانها، ومشاهد الحرب المفزعة.

تُجمع الوصايا العشر، أو ما يقاربها في كل الأديان، على أمرين: تحريم القتل، وأن تحب لأخيك (الإنسان) ما تحبه لنفسك (ويسميها الفلاسفة واللاهوتيون «الوصية الذهبية»). لقد تحولت هذه الفضائل الفردية في الأصل إلى وصايا إنسانية عامة. وفي عصر التنوير (القرنين السابع عشر والثامن عشر) صارت هذه الوصايا قيما إنسانية عامة. ولفترة، وبسبب الحروب الطاحنة، ظن كثيرون أن الحل يكمن في القوانين بدلا من الوصايا العاجزة.

لكن ها هي القوانين الدولية والمحلية تَعجز أمام جرائم الحرب والفساد. ولذا لا بد من عودة إلى القيم الإنسانية العامة التي لا تتجاهل القوانين، بل تدعمها، حيث تستعصي بعض القوى الدولية عليها. كتب أرسطو في مصنفه «الأخلاق إلى نيقوماخوس»، أنه لا يمكن تصور مجتمعات المدينة إلا بالعيش معا. ويحتاج العيش المشترك بالطبع إلى قوانين. لكن القوانين حتى لا تكون قمعية، لا بد أن تكون لها مظلة أخلاقية، ليس للتبرير، بل للإقناع. القوانين للتنظيم والإلزام الذي قد يكون قاهرا. ولولا القيمة الأخلاقية للعدل لما كان للقانون معنى! المقاربة القيمية والأخلاقية للمشكلات هي عنوان جديد لإنسانية الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى