سري للغاية

حسن فرج: «قررت الاستقرار ببرلين واشتريت شقة وسيارة فاخرة بـ400 مليون وأهديت مثلهما للدكتور قنيدل!»

أنت الآن في ألمانيا، لديك في حسابك البنكي ما يقارب 4 ملايير سنتيم مغربية بعد أن كنت في دوامة مشكل الإرث.. قلت إنك وجدت الدكتور قنيدل منهمكا في تأليف كتاب ما..
نعم.. كان موضوع الكتاب أطروحة عن قضية الصحراء، وكان يتوقع أن يكون هناك تجاوب كبير مع كتابه داخل المغرب، وترك لدي هنا في المغرب مسودات ذلك الكتاب، لكني أعلم أنه اشتغل عليه مدة طويلة في ألمانيا وفي المغرب أيضا.
كنت معه عندما كان يسهر على إنهائه، لكنه استاء جدا عندما لم يجد كتابه أي صدى يُذكر. كان يتوقع مثلا أن تشكره السفارة المغربية في برلين وأن يُنظم له توقيع محترم وتغطية إعلامية ولقاءات.. إلى غير ذلك، لكن شيئا من هذا لم يكن. وهو ما أثار غضبه وحنقه، وبدأ يحكي لي لا شعوريا عن مواقفه. فقد قال من جملة ما قاله: «إنهم محظوظون لأنني انسحبت من «أهرمومو» قبل الانقلابات وإلا لانتقمت من الفاسدين». قال هذا الكلام لأن كتابه لم يلاقِ أي تجاوب من المسؤولين والدبلوماسيين المغاربة. وأخبرتك سابقا أنه فعلا قضى فترة من التكوين العسكري بـ«أهرمومو»، وكان محظوظا لأنه غادر المغرب قبل أن يقترن اسم المدرسة العسكرية بانقلاب الصخيرات، حكى لي أنه غادرها لأن الأجواء هناك لم تعجبه.

  • هل أخبرك مثلا عن علاقته بأحد الأسماء المشاركة في انقلاب الصخيرات؟ اسم جنرال متورط أو كولونيل..؟

لا لم يخبرني بأي شيء من هذا القبيل. لكني أذكر أننا سألناه، أنا وإحدى الصديقات، مرة في إحدى الجلسات هنا في المغرب، عن اسم أحد العسكريين لم أعد أتذكره، فتغيرت تعابير وجهه وظهر بالواضح أنه يريد تغيير الموضوع، ولم يشأ أن يخبرنا أي شيء عن ذلك الاسم.. وكأنه كان يعلم عنه أشياء لم يرد أن نعرفها عنه.

  • لنعد إلى الكتاب.. ماذا تقصد بأنه لم يجد أي صدى؟

كان الدكتور قنيدل يتوقع أن يهتموا به وبالكتاب هنا في المغرب، لكنه لم يتوصل إلا برسالة واحدة فقط، ولم تنظم له لا ندوة ولا حفل توقيع ولا حتى قصاصة صغيرة في الإعلام. لقد ترك لدي هنا مسودات كثيرة لكتابه، كنت حاضرا عندما ألفها في برلين ثم نقلها معه إلى المغرب، وعاد في وقت لاحق لأخذها.

  • قبل أن يعود إلى المغرب، دعنا أولا في برلين، هل أخبرته بأنك حصلت على مبلغ كبير في حسابك البنكي؟

عندما علمت أنني استفدت من مبلغ مالي كنت في البداية أبحث عن المصدر الذي حوله وعندما لم أجد جوابا، وبدا لي أن المحيطين بي لا يملكون جوابا أيضا، قررت ألا أطرح مزيدا من الأسئلة. قلت لك إنني كنت أتردد بين المغرب وألمانيا، ولكن لما أصبح لدي حساب بنكي محترم، قررت أن أجرب الاستقرار في ألمانيا لفترة، وتوجهت إلى الدكتور قنيدل، وأخبرته بالأمر، فسر كثيرا في الحقيقة وهنأني على هذا الانفراج، وأكد أنه يتوجب علي التفكير جديا في مستقبلي.
بالنسبة له، كان وضعه في ألمانيا يزداد سوءا.. أصبحت لديه ديون كثيرة للبنك الذي كان يتعامل معه، بخصوص الشقة التي كان يقطنها، وتعجبت لأن وضعه المادي لم يكن متوازنا مع السنوات الطويلة التي قضاها في السفارة دون أن يعود خلالها إلى المغرب ولو مرة واحدة.
في البداية قررت أن أسكن معه، خصوصا أنه لم يكن لدي أي مكان أذهب إليه، بخلاف الفترة التي كنت أدرس في فرنسا وكان لدي سبب للإقامة هناك.
أحسست أن أقرب الناس إليّ هو الدكتور قنيدل، لماذا؟ لأن علاقتي بأمي كانت متوترة نوعا ما بسبب ما وقع من مشاكل، وأيضا لأنني اكتشفت أنها لم تخبرني بحقيقة ما تعرفه من تطورات بخصوص تركة عبد الفتاح فرج.
قررت إذن أن أستقر في ألمانيا، وأقمت مع قنيدل في شقة واحدة، وهو الأمر الذي مكنني من معرفته أكثر. لاحظت أنه كان يصلي بانتظام وأنه يعيش حياة عادية جدا، وكان يقترح عليّ بين الفينة والأخرى أن نقوم بجولة، وأحيانا كثيرة كان يجلس فقط وينظر إليّ صامتا دون أن ينطق بكلمة واحدة.

  • لديك قدر كبير من المال، 3 ملايين ونصف مليون أورو، وتقيم في شقة مع رجل عجوز وسط برلين. ألم تفكر في اقتناء مسكن خاص بك؟

بل اقتنيت شقتين. كان هذا أول ما قمت به، بحثت عن شقق متوسطة في قلب برلين، وقمت بشراء شقتين وليس واحدة فقط. الأولى أبقيتها لنفسي والثانية أهديتها للدكتور قنيدل.

  • أليس غريبا أن تهديه شقة؟

لماذا الغرابة؟ لقد أردت أن أشكره بطريقتي الخاصة على الدعم الذي قدمه لي.

  • لكنك قلت سابقا إنه لم يقدم أي دعم مادي لك بقدر ما كان يتابعك بالهاتف فقط.. والدتك هي التي كانت تدفع المال، لماذا قدمت له تلك الشقة؟

أتفق معك وهذا الأمر صحيح. حتى قبل أن أقتني له شقة في برلين، كنت أمنحه المال بانتظام عندما كنت أتردد بين ألمانيا والمغرب، ولا أجد حرجا في الأمر، لأن الدكتور قنيدل قدم لي ما لم تقدمه العائلة.. لا يتعلق الأمر هنا بالمال فقط. أتذكر أنه في أيامي الأولى في ألمانيا، كنت أجد فيه سندا كبيرا يستمع إلي باهتمام كلما بحت له بمشاكلي، في الفترة التي تخلى فيها الجميع عني. استحضرت كل تلك الأمور وأردت أن أهديه شقة ليسكن فيها، خصوصا أنني أعلم مشاكله المادية..
وطبعا، لدي ما يثبت أنني اشتريت له شقة، وأحتفظ بجميع الوثائق التي توضح أنني اشتريت شقتين، وأهديته واحدة منهما، قام هو ببيعها في ظروف خاصة سنصل إليها..

  • ماذا كان رد فعله عندما علم بالأمر؟

كان مسرورا للغاية، وشكرني لأنني فكرت في تقديم هدية مماثلة له. قبل أن أقتني له الشقة بفترة، أصبحت علاقتنا وطيدة أكثر مما سبق، لذلك لم أحس أن الهدية وطدت علاقتنا أكثر، بل توطدت قبل أن أحصل على المال. وبقينا نقيم معا، ولا نفترق إلا نادرا، رغم أن لكل واحد منا مسكنه الخاص.
لا أعلم تحديدا ماذا فعل بشقته القديمة التي كان غارقا في مشاكل أداء أقساطها، ولم أسأله عنها في الحقيقة..

  • قلت إن هذه الفترة سمحت لك بمعرفته أكثر.. نريد بعض الأمثلة..

.. طيب.. في إحدى المرات، عثرت على صورة غريبة له بالزي العسكري الألماني! وصدمت في الحقيقة، ودققت أكثر في الصورة، وتأكدت فعلا أن الزي الذي يرتديه، هو الزي العسكري الرسمي لألمانيا. وبينما كنت أتأمل الصورة، أخذها بعجالة من يدي، وأعادها إلى مكانها حيث كانت مخبأة، وتلعثم، وقال لي إنه ارتدى ذلك الزي في أحد التداريب التي حضرها بصفته من الجانب المغربي. لكني لم أصدقه لأنه لا يعقل أن يرتدي زيا عليه العلم الألماني والشعار العسكري لدولة ألمانيا.. بقي الأمر غامضا بالنسبة لي. وهذه مسألة لم يكن يريد أن يعرفها أحد، لكني اكتشفتها بالصدفة.
وللإشارة فإن الصورة كانت بالألوان، وحسب هيأته التي ظهر بها في الصورة، فإنها تعود بدون شك إلى فترة التسعينات.. أي أنها كانت حديثة نوعا ما، والتقطها قبل أن أتعرف عليه، أي في سنوات طفولتي.

  • هل فكرت في مشاريع لتستثمر تلك الأموال في ألمانيا أو في المغرب؟

فكرت في هذا الأمر كثيرا، وجرت اتصالات بيني وصديقي رشيد الحرشي حتى نعمل على الأمر سويا، لكن الأمور في ألمانيا تمت ببطء. هذا بطبيعة الحال بين سنوات 2006 و2007 وحتى بداية 2008.
كنت أقضي أغلب أوقاتي في برلين، وأعيش حياتي بشكل عادي. أتصل بوالدتي بين الفينة والأخرى لأطمئن عليها، وأجدها بين المغرب وألمانيا لكننا لم نلتق إلا مرات قليلة جدا. لم أفكر وقتها في العودة إلى المغرب ولو بهدف الزيارة، لأنني أردت أن أؤمن حياتي أولا وظننت أن الفرص ستكون أكبر في ألمانيا. كما أن الدكتور قنيدل شجعني على البقاء، وأصبحنا نخرج سويا.

  • ألم تتحدثا بشأن تركة والدك؟

كان يتحدث معي في الموضوع، خصوصا وأنني تواصلت معه قبل أن أستقر في ألمانيا من جديد، ولمح لي إلى إمكانية وجود صندوق حديدي ما، من بين الأمور التي تركها عبد الفتاح في الخارج. وبما أنني أصبحت ألازمه، وأخبرته عن التطورات التي عشتها في المغرب مع أمي غيثة وأختي خديجة، وكيف أنهما أنكرتا وجود أي ثروة بالخارج، واكتشفت بالصدفة أمر الوصية.. أخبرني ألا أثق بأحد، وحاول أن يستدرجني إلى أمر الصندوق الحديدي، وهو أمر لم أكن أعرف عنه أي شيء في ذلك الوقت، وكان مجرد شكوك. المهم أن قنيدل كان يتحدث معي في إحدى المرات، وأنا معه في ألمانيا بطبيعة الحال، ووجه إلي الكلام التالي: «هل تستطيع أن تحفظ سرا سأخبرك به؟ إن والدك عبد الفتاح فرج ترك صندوقا حديديا يضم أوراقا غاية في السرية، تعود ملكيتها للملك الحسن الثاني، وهي الآن في ملكية الدولة المغربية بعد وفاته، ويجب أن ترجع الأوراق إلى أصحابها، وهذه الأوراق مغلقة الآن في ذلك الصندوق، ولا أحد يملك طريقا للوصول إليه».

  • لكن هذا الأمر تعرفه أنت أيضا..

لم أكن أعرف هذا الأمر في ذلك الوقت. والدتي نفت وجود الصندوق، رغم أنه مشار إليه في الوصية بوضوح، ولم أتأكد من أنه موجود إلا عندما أتيحت لي فرصة الاطلاع على الوصية في 2014. لقد كان الدكتور قنيدل يجرني دائما إلى الحديث عن تلك الجزئية، وعندما تأكد أنني لا أعلم عنها أي شيء، أكد لي وجود الصندوق فعلا، وحاول أن يصور لي خطورة الوضع، وما أقدم عليه عبد الفتاح فرج قبل وفاته.

  • هل سألته عن مصدر معلوماته؟

لم أسأله في الحقيقة، وأخبرني أنه يعلم بالأمر انطلاقا من موقعه في السفارة لكني لم أصدقه في الحقيقة. الأحداث المقبلة ستجعلني أعرف أمورا كثيرة بهذا الخصوص.
عندما اقتنيت الشقتين، وأهديته واحدة، فكرت في اقتناء سيارة فاخرة، وطلبت منه أن يرافقني. خرجنا ذلك اليوم في جولة، وتمشينا قليلا، ومررنا قرب معرض فخم لإحدى شركات السيارات الرياضية الفاخرة، وطلبت منه أن ندخل لتفقدها. كنت أرتدي لباسا بسيطا، لدرجة أن الموظفين كانوا يرمقوننا بنظرات ارتياب. استوقفتني سيارة رياضية فارهة، وقررت على الفور أن أشتريها. سألت الدكتور قنيدل عن رأيه، فأخبرني أنها ممتازة، وناديت الموظف المكلف وسألته عن ثمنها فأخبرني أن المبلغ يتجاوز 200 مليون سنتيم بقليل.
وبما أنني كنت أملك مبلغا كبيرا، قررت على الفور أن أقتني سيارتين وليس واحدة فقط. نظر إلي الدكتور قنيدل في استغراب، لكنني صمتت أمام دهشته ودهشة الموظف من أن أقتني سيارتين، ولدي الأوراق التي توثق
للشراء.

  • ماذا ستفعل بسيارتين فاخرتين من النوع نفسه؟

لقد احتفظتُ بالأولى وأهديت الثانية للدكتور قنيدل، ومن جديد فرح كثيرا، وشكرني على الهدية الثمينة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى